الأصوات العربية في الانتخابات الأميركية

TT

أظهرت نتائج استطلاع اجري اخيرا لأعضاء الجالية العربية الأميركية جوانب غاية في الأهمية، وعكست صورة محددة للجالية. فقد أظهرت هذه النتائج إجماعا متزايدا بين أعضاء الجالية حول القضايا المهمة في الشرق الأوسط وأظهرت كذلك ان موقفهم تجاه العنف الحالي له اثر مباشر على توجه أصوات الناخبين. فقد أجرى تلفزيون أبو ظبي ومعهد زغبي الدولي استطلاعا وسط 505 ناخبين تم اختيارهم عشوائيا وذلك ابتداء من 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

اولى النتائج التي توصل إليها الاستطلاع تمثلت في ان أعضاء الجالية العربية الأميركية أيدوا ترشيح جورج بوش الابن ضد آل غور بنسبة 45.5 في المائة مقابل 38 في المائة. اما رالف نادر، مرشح حزب الخضر، فقد حصل على أصوات 13.5 من أعضاء الجالية. كما ان إلقاء نظرة فاحصة على نتائج الاستطلاع المذكور تعكس عددا من اتجاهات ومواقف وأداء الجالية في انتخابات الرئاسة الأخيرة.

وتظهر نتائج الاستطلاع ان هامش بوش وغور وسط ناخبي الجالية (7.5 في المائة) مقارنة بهامش وصل إلى 20 في المائة لمصلحة كلينتون امام الجمهوري بوب دول في انتخابات عام 1996 تمثل تحولا مهما للغاية، إذ يبلغ عدد ناخبي الجالية العربية الأميركية الذين تنقلوا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والحزب الثالث 390 ألف شخص خلال الفترة بين 1996 و2000.

انتخابات عام 2000 والولاءات الحزبية اظهر ناخبو الجالية العربية الأميركية ولاء حزبيا قويا في السلوك الانتخابي. ففيما يقدر مؤيدو الحزب الديمقراطي بـ40 في المائة والجمهوري 38 في المائة (مع اعتبار 22 في المائة مستقلين)، فان غالبية هؤلاء تبدي التزاما ثابتا تجاه الشخص الذي يقرر الحزب ترشيحه في الانتخابات. وتقدر نسبة الأصوات غير الثابتة بحوالي 25 في المائة. اما المجموعة التي تبدي التزاما حزبيا ثابتا فتتكون من ابناء الجيل الذي ولد في الولايات المتحدة، فيما يلاحظ ان الولاء غير ثابت ويختلف من انتخابات لأخرى وسط المهاجرين غير المولودين في اميركا. فنسبة الذين صوتوا للرئيس بيل كلينتون في انتخابات عام 1996 بلغت 54.5 في المائة مقابل 26 في المائة، ثم تحولت نسبة تأييد بوش 41 إلى مقابل 34 في المائة في الانتخابات الأخيرة. من المهم ان نلاحظ هنا انه رغم تحول الأصوات، فان الناخبين استمروا في تأييد مرشحي أحزابهم.

مقارنة نتائج الانتخابات الأخيرة بانتخابات سابقة تشير إلى ان بعض الجماعات الفرعية داخل الجالية العربية الأميركية، مثل المسلمين والمصريين والفلسطينيين تغير وجهة أصواتها في الغالب مقارنة بالمجموعات والفئات الأخرى.

ليبرمان ونادر حصل بوش على أصوات 85 في المائة ممن يسمون أنفسهم بالجمهوريين، فيما حصل غور على 75 في المائة من أصوات الأميركيين العرب المؤيدين للحزب الديمقراطي. حصل بوش على 40 في المائة من أصوات المستقلين ونادر على 30.5 في المائة وغور على 24.5 في المائة من أصوات هذه المجموعة.

نصف الذين تركوا الحزب الديمقراطي من أعضاء الجالية العربية الأميركية فعلوا ذلك بسبب وجود السيناتور جوزيف ليبرمان كمرشح لنائب غور، من المهم كذلك ملاحظة ان 69 في المائة من أعضاء الجالية العربية الأميركية توصلوا إلى هذا الموقف على أساس موقف ليبرمان من بعض القضايا. وذكر 33 في المائة من المشاركين في الاستطلاع انهم صوتوا لنادر بسبب خلفيته العربية الأميركية.

أهمية مسائل الشرق الأوسط ولأن هذه الانتخابات أجريت في وقت تصعيد للعنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، فان الصدمة التي افرزها هذا النزاع كان لها أثرها المباشر في وجهة أصوات الناخبين العرب. عندما طلب منهم ترتيب عدد من القضايا حسب الأهمية، مثل الحقوق الفلسطينية وسيادة لبنان والقدس، لوحظ انها رتبت طبقا لنفس ترتيبها في استطلاعات الرأي السابقة. وفيما يبدي أعضاء الجالية العربية - الأميركية الذين هاجروا مؤخرا اهتماما بالغا بهذه القضايا، فان هناك ايضا اهتماما عميقا ومتزايدا من طرف الجيل الأول والثاني والثالث للعرب ـ الأميركيين.

ثمة تراجع واضح في الموقف تجاه جهود إدارة الرئيس كلينتون في مجال السلام كنتيجة للاضطرابات الحالية في فلسطين. ففي استطلاع للرأي اجري في يناير (كانون الثاني) الماضي ذكر 47 في المائة من المشاركين في الاستطلاع ان سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عادلة، فيما رأى 36.5 في المائة انها غير عادلة. اما في استطلاع تلفزيون أبو ظبي ومؤسسة زغبي الذي اجري الشهر الماضي، فان نسبة 35.5 في المائة فقط من المشاركين في الاستطلاع ترى ان السياسة الأميركية منصفة، فيما تعتقد نسبة 60.5 في المائة ان السياسة الأميركية غير عادلة.

تراجعت كذلك ثقة الجالية العربية الأميركية في تعامل الإدارة الأميركية مع النزاع في الشرق الأوسط. ففي يناير الماضي أدلى 68.5 في المائة من المشاركين في الاستطلاع بآراء مؤيدة للولايات المتحدة، غير ان هذه النسبة تراجعت إلى 42.5 في المائة. ومن المهم هنا الإشارة إلى ان 80 في المائة من الذين ابدوا خيبة أملهم تجاه تعامل الولايات المتحدة مع قضية الشرق الأوسط لم يصوتوا في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة لأي من المرشحين.

ومن المهم كذلك ملاحظة ان الناخبين من أعضاء الجالية العربية الأميركية الذي صوتوا لرالف نادر لهم موقف قوي وعاطفي تجاه مسألة الشرق الأوسط. وفي واقع الأمر فان مسألة الشرق الأوسط كانت جانبا مهما بالنسبة للناخبين الذين صوتوا لبوش أو غور.

وفي الواقع ففي الوقت الذي تكونت لدي العديد من الناخبين الذين صوتوا لكل من غور وبوش مشاعر قوية تجاه قضايا الشرق الاوسط، فإن العديد من انصار نادر شعروا بالمثل. فقد تبين ان 90 في المائة من انصار نادر يؤيدون الحقوق الفلسطينية بقوة، وسيادة لبنان ووضع القدس، بينما انصار كل من بوش وغور الذين يتبنون نفس وجهة النظر يصل عددهم الى 80 في المائة و75 في المائة. وذكر 76 في المائة من انصار نادر ان الشرق الاوسط هو اهم قضية في تحديد اصواتهم، بالمقارنة بـ 46 في المائة من انصار غور و54 في المائة من انصار بوش.

ويبدو ان العرب الذين ايدوا نادر كانوا ابعد ما يكونون عن تأييدهم لقضايا البيئة، بل فعلوا ذلك احتجاجا.

والجدير بالذكر ان هولاء الناخبين يصوتون للديقراطيين او الجمهوريين ولكنهم لم يشعروا بالرضا على عدم تعبير كل من غور وبوش عن ارائهم بالنسبة للشرق الاوسط. ومن الواضح ان ذلك اضر ضررا كبيرا بغور بما ان 10 في المائة من كل العرب الاميركيين المؤيدين للحزب الديمقراطي صوتوا لنادر، كما ان 30.5 في المائة من الاصوات التقدمية المستقلة الذين ايدوا نادر كان من الممكن تأييدهم للديمقراطيين كما فعلوا في عام 1996.

مشاركة العرب الأميركيين لم يحدد هذا الاستطلاع نسبة اقبال العرب الاميركيين، ولكن الادلة المتوفرة والتغطية الاخبارية توضح ان هذا العام كان عاما عظيما في ما يتعلق بمشاركة العرب الاميركيين. فقد اجرى كل من المرشحين الرئاسيين الديمقراطي والجمهوري اتصالات هامة تجاه الجالية العربية ـ وكلها ادت الى تغطية صحافية واضحة خلال حملة 2000، من تقرير وكالة اسوشيتدبرس في 7 نوفمبر 1999 بعنون «الطامحون للترشيح للرئاسة يتوددون للعرب الاميركيين» الى الموضوع الذي نشرته مجلة «نيوزويك» في اكتوبر (تشرين الاول) 2000 بعنوان «معركة جديدة من اجل الاصوات العربية» الى الموضوع الذي نشرته مجلة «الايكونوميست» البريطانية بعنوان «مولد لوبي العرب الاميركيين» - كانت الجالية محط انظار الاعلام هذا العام.

الامر الذي حددته الاستطلاعات هو نوعان من المشاركة العربية الاميركية، ولا سيما التبرعات للمرشحين (31.5 في المائة) والتطوع في الحملات الانتخابية (23 في المائة) ـ وهما نسبتان اعلى بكثير مما حدث في عام 1996. الخاتمة تقدم نتائج الاستطلاع تفاصيل هامة عن الجالية العربية الاميركية. فهي تظهر، على سبيل المثال، ان الجالية العربية الاميركية تشارك بعمق في الحياة السياسية الاميركية وذات انتمائات حزبية قوية. وفي الوقت ذاته يكشف الاستطلاع ان اراء العرب الاميركيين في ما يتعلق بقضايا الشرق الاوسط قوية، وهو الامر الذي ادى، في العام الحالي، الى انتقال الانتماء بالنسبة لاكثر من 25 في المائة من ابناء الجالية.

وهذان العنصران، النشاط الحزبي وتغير اراء الناخبين، هامان بالنسبة لمستقبل قدرات وامكانيات الجالية العربية الاميركية. ان الانتماءات الحزبية تعطي اهمية للجالية وتقدم الاستمرارية والقيادة والاتصال. كما ان الاصوات المتأرجحة هي مصدر قوية، بما انها تهدف الى خلق المنافسة بالنسبة لاصوات العرب الاميركيين.

وهناك البعض الذي لا يفهم او يقدر تعقيدات الجالية العربية الاميركية. ان ما قدمه لنا استطلاع تلفزيون ابو ظبي ومؤسسة زغبي للاستطلاع والاستطلاعات الاخرى هو صورة طبيعية لمجتمع متنوع، يعتمد على الاثنية، يكون اجماعا على قضايا الاهتمام الهامة. ان الجالية العربية الاميركية قادمة من العديد من الدول، والديانات والاجيال، الا انهم يتفقون على عدد من القضايا الهامة ويمكن تحديد هويتهم كجالية. الاكثر اهمية هو ان مقارنة نتائج هذا الاستطلاع مع الاستطلاعات السابقة، تكشف ان كثافة الاهتمام بالقضايا ومشاعر تحديد الهوية كجالية عربية اميركية، تزداد بين جيل العرب الاميركيين المولودين في الولايات المتحدة.

ومن الضروري وضع كل ذلك في الاعتبار في الوقت الذي يخطط فيه العرب الاميركيون مستقبلهم السياسي. ان الهدف الهام هو الاستمرار في تحقيق الاجماع على قضايا الاهتمام والا نحاول فرض القبول على المرشحين. ان الجهود المفتعلة لفرض «كتلة» اصوات امر مدمر غير واقعي وساذج.

والاكثر من ذلك، من المهم للعرب الاميركيين الاستمرار في مقاومة الجهود الرامية لتقسيم الجالية العربية الاميركية طبقا للدول او الدين. وكما تبين من انتخابات 2000، فإن العرب الاميركيين على الطريق السليم لتحقيق النفوذ السياسي. ان التقدم الذي حقق خلال العشرين سنة الماضية كان عظيما. وتوجد الان قواعد ثابتة داخل الجالية وفي اطار العملية السياسية يمكن للاجيال القادمة الاستمرار في بنائها.

* رئيس المعهد العربي الأميركي