مستقبل الجزائر في ضوء إطلاق سراح مدني وبن الحاج

TT

بقلوب واجفة استقبل الجزائريون نبأ اطلاق سراح عباسي مدني وعلي بن الحاج، الزعيمين الاكثر شعبية والاشد تأثيرا داخل «جبهة الانقاذ».

والسؤال الذي تطرحه الاغلبية الساحقة منهم هو: كيف سيكون مستقبل الجزائر بعد هذا الحدث؟ السؤال مشروع، ذلك ان الجزائريين بمختلف فئاتهم ومشاربهم يعرفون جيدا ان زعيمي «جبهة الانقاذ» المذكورين اصبحا خلال الـ15 عاما الماضية رقمين مهمين في اللعبة السياسية الجزائرية، وبالتالي هما قادران على التأثير ان سلبا او ايجابا في كل ما يحدث في بلد المليون شهيد.

وبالرغم من فترة الاعتقال الطويلة (12 عاما)، فانهما لا يزالان يتمتعان بكثير من النفوذ، خصوصا داخل صفوف انصار «جبهة الانقاذ» المحظورة.

والسؤال مشروع ايضا لأن الجزائريين يعلمون علم اليقين ان عباسي مدني وعلي بن الحاج يتحملان مسؤولية مباشرة، وغير مباشرة في الاحداث الدامية والمروعة التي عرفتها بلادهم منذ مطلع التسعينات وحتى هذه الساعة، والتي بسببها سقط عشرات الآلاف من الضحايا، بينهم اطفال ونساء وشيوخ ومثقفون مرموقون. وهم يتذكرون تلك الايام العصيبة التي سبقت الاحداث المذكورة، والتي كانت تقوم خلالها «جبهة الانقاذ» بعمليات استعراض للقوة في شوارع الجزائر العاصمة وفي غيرها من المدن الكبرى. وكان عباسي مدني يهدد جهارا بـ«التهام» دبابات الجيش الجزائري ان هو حاول التدخل لمنعه وانصاره من تسلم السلطة. اما علي بن الحاج فكان يرتدي الزي العسكري ويطلق تلك الخطب النارية التي تحت تأثيرها تحول الكثير من الجزائريين الى قتلة باسم القرآن والدين.

ثم ان اطلاق زعيمي «جبهة الانقاذ» يأتي في وقت تواجه فيه الجزائر نكبات وفواجع جديدة. والزلزال الاخير واحد من بينها. كما ان المتطرفين الاسلاميين لا يزالون يواصلون اقتراف جرائمهم البشعة ضد ابناء شعبهم. تنضاف الى كل هذا الازمة الاقتصادية التي يزداد تفاقهما يوما بعد يوم والتي عجزت كل الحكومات التي تعاقبت على البلاد، منذ انتفاضة اكتوبر (تشرين الثاني) 1988 وحتى هذه الساعة، عن حلها. من حق الجزائريين اذن ان ينظروا في ظروف قاتمة كهذه، الى مستقبل بلادهم بكثير من التوجس والخوف. الخوف من ان يستعر الصراع مجددا بين السلطة و«جبهة الانقاذ» بشكل اكثر حدة وعنفا من الصورة التي كان عليها مطلع التسعينات. فتتعمق الانشقاقات والخلافات بين بعضهم البعض، وتجر بلادهم مرة اخرى الى المزيد من الصراعات الدموية القاتلة.

تعلم السلطة في الجزائر، المتمثلة في الجيش بالخصوص، ان اجراءات الحظر التي فرضتها على عباسي مدني وعلي بن الحاج عقب اطلاق سراحهما الاخير، لن تكون لا ناجعة ولا مفيدة، وهي لا تمثل بأي حال من الاحوال حلاً سليماًَ للازمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد راهنا. ويعلم زعيما «جبهة الانقاذ» ان العودة الى الاساليب السياسية والنضالية القديمة التي انتهجاها مطلع التسعينات سوف تكون مضرة الى ابعد حدود الضرر، وعلى جميع المستويات. لذا من الافضل ان يحاول كل من الطرفين المتنازعين، اي السلطة و«جبهة الانقاذ»، ترشيد خطابهما السياسي بهدف الوصول الى الوفاق الوطني الحقيقي من اجل مصلحة الجزائر العليا. ومصلحة الجزائر العليا في ايجاد حلول جذرية للازمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد منذ اواخر الثمانينات من القرن الماضي وحتى هذه الساعة، في مكافحة البطالة واصلاح التعليم وتأمين الصحة والسكن للمواطنين، في الوحدة والتكاتف والتضامن وليس في الانشقاق والخلاف والتباغض، وان لم يدرك الطرفان هذه الحقيقة فإن الجزائر ستظل حلبة للصراعات الدموية بين ابنائها.