مالك الوقت

TT

يعرف قراء «الشرق الاوسط» الاستاذ كريم بقرادوني كاتباً في صفحة «الرأي» حيث يحاول دائماً التوفيق بين الناس واجراء المصالحات. لكن قد لا يعرف البعض ان الاستاذ بقرادوني هو اكبر نقيض لقانون الجاذبية وقانون النسبية في العالم. والمثل العامي اللبناني يقول لا يحمل الرجل اكثر من بطيخة، في حين يحمل الاستاذ بقرادوني مزرعة من البطيخ. تفضلوا احصوا معنا: رئيس حزب «الكتائب» اللبنانية. محام في الاستئناف. وسيط في الحرب الاهلية السودانية. مؤلف عن رؤساء الجمهوريات. محاضر عن الوفاق اللبناني. وسيط في الخلافات الارمنية. منظر للحرب اللبنانية ومنظر لسلام لبنان. كاتب في "الحوادث" الاسبوعية. مقاتل في سبيل لبنان. والى آخره.

وفي الحكومة اللبنانية الاخيرة اصبح الاستاذ بقرادوني وزيراً لشؤون الادارة. وبما ان وزارة الادارة في لبنان اسم جليل لحقيبة لا وجود لها، فقد قرر ان يجعل منها بطيخة ذات شأن. وما بين رئاسة حزب «الكتائب» والوزارة والمحاماة، يجهد النفس ويمضي العزم ولا ينسى جنوب السودان. والاسبوع الماضي عثر على ما يكفي من الوقت لكي يرعى «مؤتمر تطوير الادارة المدنية». وكنت ما ازال اسائل نفسي كيف ينجح الاستاذ بقرادوني في استعارة الساعات من يوم الى آخر بحيث يصبح معدل النهار عنده 93.3 ساعة، عندما ابلغت انه لا يكتفي فقط برعاية المؤتمرات بل يناقش فيها ايضاً.

فقد التقيت الدكتور حبيب الملا، وهو محام من دبي درس القانون في جامعة «كيمبريدج». وتخصص في ما بعد في معلوماتية القانون. وامضى لهذا الغرض بضع دورات في «هارفارد» وجامعة «براون». لكن لم يكن يخطر له انه سوف يضطر الى استخدام كل هذه الكفاءات ذات يوم لمناقشة ـ مع الاعتذار عن التعبير ـ وزير الادارة اللبنانية ورئيس حزب «الكتائب» اللبنانية. وفي اي حال لم ينفعه في النقاش شيء. لقد عجز عن اقناع الرئيس بقرادوني بتغيير اعتراضه.

وفحوى الاعتراض ان الرئيس بقرادوني اعترض على استخدام كلمة «الاثمتة» في لغة المعلوماتية القانونية. وهي الترجمة التي توصل اليها الباحثون بعد عمل طويل لكلمة automation وقال الرئيس بقرادوني لاهل القانون ان الكلمة ـ مع عدم المؤاخذة ـ ثقيلة. وانه يفضل عليها كلمة "آلية". وشرح له المشاركون ان "آلية" لا تفيد المعنى كاملاً في لغة القانون، وان القانون هنا ليس موضوع خفة او ثقل. وقال الرئيس بقرادوني، اصطفلوا. انا شخصياً (اي هو شخصياً) لن استخدم مصطلح «الاثئمة».

بصراحة، وانا كذلك. لن يرغمني شيء او احد على ان استخدم كلمة غير مشتقة من فعل. ثم انها حقاً ثقيلة. ولكن اضاعة 45 دقيقة كاملة في مؤتمر لتطوير الادارة، على استخدام كلمة، امر ثقيل على وقت السادة المحامين الذين لم يستطع احد منهم ان يزيد في طول يومه نصف دقيقة واحدة. فليس الجميع يملكون طاقة الاستاذ بقرادوني على طي الزمن وتدبير الوقت وتسخير الايام. وبما ان المؤتمر كان كالعادة برئاسته فقد خجل الحاضرون من ابلاغه حقيقة امورهم ومشقة الحياة بالنسبة اليهم: يوم لا يزيد على 24 ساعة وسنة لا تزيد الا في العام الكبيس. والاكثر شطارة بين الحاضرين غير قادر على ان يحمل اكثر من بطيخة واحدة. وبالكاد. ولذلك كانوا ينظرون باعجاب شديد الى السيد الوزير. خصوصاً بلاغته.