الجين المفقود

TT

عندما تخرج نايل من اكسفورد في الاقتصاد، فكر كأي خريج جديد بالبحث عن عمل. سمع بالمجاعات التي تجتاح القارة الافريقية وخطر له ان هذا موضوع ينبغي لمن مثله ان يذهب لدراسته ومحاولة المساهمة في حل مشكلته. عثر على عمل يمكنه من ذلك فذهب الى اثيوبيا حيث كرس وقته لذلك العمل وتلك المهمة، وهناك تعرف على خريج آخر من اكسفورد في علم النبات. سمع هذا بمشكلة الجفاف والمجاعة في اثيوبيا والقرن الافريقي ورأى ان ما تحتاجه المنطقة هو الاكثار من زراعة الاشجار. فجمع متاعه ورحل من اكسفورد الى اثيوبيا ليضطلع بالمهمة.

وفيما كان منهمكاً في عملية التشجير والحصول على الاشجار المناسبة، التقى بسيدة يابانية، توفي زوجها وترك لها ثروة كبيرة. فكرت بما تصنعه بهذه الثروة. وسمعت بنفس المشكلة التي يعاني منها القرن الافريقي. رأت، أو ربما أراها المختصون بأن من عوامل ظاهرة التصحر والمجاعة في مثل هذه البلدان الفقيرة استعمال اساليب ومعدات زراعية بالية. قررت ان المطلوب هو فتح مدارس زراعية في هذه المناطق تعلم الفلاحين والمزارعين استعمال الاساليب والمعدات والبذور الحديثة للحصول على انتاج اكبر وأغنى من الأرض.

قفلت ورحلت الى اثيوبيا ونقلت اموالها معها وباشرت بفتح كلية للعلوم الزراعية. وهناك التقت بهذا الشاب الاكسفوردي، المستر ولس، بحكم العمل الذي جمع بينهما. عبأ الاثنان قواهما، هي بأموالها وتأثيرها، وهو بعلمه وجهوده في بذل ما يمكنهما من أجل احياء التربة وانقاذ الاثيوبيين من ظاهرة الفقر والمجاعة.

يشكل هؤلاء الثلاثة نتفة صغيرة من مجموعات كبيرة من الخريجين والخبراء المختصين الذين تركوا حياتهم الناعمة في ديارهم الغنية المترفة وذهبوا الى هذه الارجاء المقفرة الغارقة بالأمراض والمخاطر وظروف الحياة الصعبة، يحدوهم شيء واحد هو مساعدة اخوانهم من البشر، اخوان لا تربطهم بهم اي رابطة دينية أو قومية أو وطنية أو ثقافية. لا يعرفون حتى لغتهم فيجبرون انفسهم على تعلمها.

سؤالي هو: لماذا يستطيع هؤلاء القوم القيام بذلك، ونحن نرفض اي وظيفة في قرية او مدينة بعيدة في داخل وطننا ولمساعدة ابناء شعبنا ذاته، ونوسط وندفع رشاوى لابقائنا في العاصمة بعيداً عما نعتبره مناطق موبوءة أو متأخرة؟

يسألني الكثيرون في هذه الآونة، هل ستعود للعراق؟ أجيبهم فأقول، عندما ينتهي الحر. وهو ما قاله الامام علي عنا: اذا امرتكم بالسير صيفاً قلتم هذه جمارة القيظ، امهلنا ينسلخ عنا الحر. واذا امرتكم بالسير في الشتاء قلتم هذه صبارة البرد ـ امهلنا ينسلخ عنا القر. وكله فراراً من الحر والقر!

هذا سؤالي فافتوني: هل الشعور بالمسؤولية والخدمة جين غير موجود في دمائنا؟