مجلس 2003

TT

اما وقد انتهت الحملات الانتخابية، وتفرق مرشحو الشتم والتجريح والتهويل، وتوجه الكويتيون الى صناديق الاقتراع ليقرروا بملء إرادتهم كيف ستكون مسيرة السنوات الاربع المقبلة من حياتهم، فمن الواجب ان نعطي شيئا من هذا العرس الديمقراطي للنظام السياسي في الكويت. النظام الذي جاء بالبرلمان وبالاقتراع، وطلب من الناس ان تذهب وتقترع لمن تشاء، فذهبت واقترعت فعلا لمن تشاء. طبعا الناس هي التي ستختار اليوم، وهي التي ستوزع المقاعد، وهي التي لن تتردد في اختيار المعارضين، حتى المزعجين والمناكفين منهم. ورغم انها قد لا تختار دائما الافضل، لكن خيارها هو خيارها، وعلى الجميع ان يقبلوا به.

انه انتصار للمرجعية السياسية التي لم تقبل الدخول في التباين الحكومي، ولا ان تكون طرفا حيال اي فريق، ولا ان تفرض بداعي التوازنات والمخاوف، رجالا يهزون هذه التوازنات ويزيدون من درجة المخاوف.

اليوم بالذات، ستسجل الديمقراطية الكويتية انتصارا جديدا، رغم بعض التجاوزات والثغرات التي حصلت، كعمليات شراء الاصوات او الانتخابات الفرعية في بعض الدوائر القبائلية، ورغم بعض الاخطاء المتراكمة، كحرمان المرأة من حق التصويت اوالترشيح، واستخدام الطائفية والقبلية كشعارات للتكسب الانتخابي، اضافة الى محاولات التدخل التقليدية، ولو انها لا تقدم او تؤخر في شيء.

ولا يهم في النهاية من ينتصر او يخسر، ومن يذهب الى مجلس الامة او يعود الى ديوانيته، فالمهم ان يتحول مجلس 2003 من المشاغبة الى المحاسبة، ومن العداء الدائم للحكومة الى مبدأ الثواب والعقاب، ولا بد أن يدرك ايضا، من خلال هذه الامثلة الديمقراطية، ان مهمته ليست العلاقة السيئة دائما مع الحكومة بل العلاقة المتوازنة مع الناس، وتحديدا اولئك الذين اعطاهم النظام الحرية المطلقة لينتخبوا من شاءوا... فانتخبوه.

ومع قيام مثل هذا المجلس، لا يبقى امام الحكومة سوى رد واحد، هو ان تأتي حكومة جديدة تتناغم مع التركيبة الجديدة للبرلمان، ولا يكون هاجسها مواجهته او إضعافه، بل العمل معه في مواجهة التحديات المقبلة، لاسيما في ظل ما شهدته المنطقة من تطورات ومستجدات بعد سقوط نظام صدام حسين، او في ظل الاستحقاقات الداخلية الكثيرة، كمواجهة العجز في الموازنة، او مشكلة البطالة الناجمة عن وجود اكثر من 13 الف عاطل عن العمل، او القضايا الأخرى المرتبطة بالتعليم والأمن والإسكان. وبتعبير آخر، فإن المطلوب حكومة جديدة تعمل برؤية، ورؤية يترجمها برنامج، وبرنامج ينفذه وزراء مقتدرون، يأخذون بعين الاعتبار مسؤولياتهم السياسية قبل حساباتهم الانتخابية.

ان ما هو اعظم من البرلمانات ان يستحقها اهلها، وان يصل الى المجلس رجال يستحقون مقاعدهم ومهمتهم ورسالتهم، فالنائب شريك في المسؤولية وفي البناء، ولذا يجب ان يمنحه الناخب صوته لا ان يشتريه، ويجب ان يقترع للمرشح الذي يختاره الوطن وليس القبيلة، وان يدفع الى المجلس رجالا يحلمون بالمستقبل وبالدولة النموذج، وليس بأشخاص لا يرون بناء الا في الهدم او نموذجا الا في التهديم، والا فلماذا كل هذا التعب، ولماذا كل هذا التصميم، ولماذا تقوم الدنيا وتقعد مرة كل اربع سنوات اذا كانت النتيجة ستبقى واحدة، واذا كان المقياس سيبقى في الصراخ والتهويل والتهديد لا في البرنامج والاسلوب والنتيجة؟

ليس ثمة ديموقراطية من دون هدف، والهدف الملازم لها دائما، هو تحقيق دولة القانون والمؤسسات. واذا لم يرتق العمل السياسي في الكويت الى تبني هذا الالتزام فإنه سيبقى يراوح مكانه. والمسؤولية مسؤولية الجميع في النهاية، لا سيما مجلس الامة. وليس من المبالغة القول ان العجز الذي اصاب المجالس السابقة هو موطن الداء، ولو ان اعراضه انعكست على السلطات الاخرى.