مبادرة وقف العنف

TT

في الخامس من يوليو 1997 وفي قاعة المحكمة العسكرية في القاهرة، وبينما كان يتابع من سمح لهم بالمتابعة من وسائل الاعلام وقائع الجلسة وما قبلها، وكانت قضية تفجير البنوك هي محل النظر، فاجأ محمد عبد العليم أحد المتهمين وأحد قيادات الوسط في الجماعة الاسلامية الحاضرين بقراءة بيان اصطلح على تسميته في ما بعد "مبادرة وقف العنف".

كان الشك عظيماً في تلك الفترة في جدية هذه المبادرة وفي صدق نوايا القائمين عليها.

واليوم تمر ست سنوات كاملة شهدت فيها مصر والمنطقة والعالم، العديد من التطورات الداخلية والخارجية، وتطورت الأمور في مناطق مختلفة من العالم العربي، بل والعالم كله، وتغيرت جماعات وتبدلت مواقف، ورغم كل هذا ظلت التجربة المصرية في محاولة اغلاق ملف الإرهاب تجربة جديرة بالرصد والتوقف والدراسة، وسواء اختلفنا أو اتفقنا معها، إلا أنها بالتأكيد تجربة تملك عناصر جديرة بدراستها والاستفادة منها.

ظل موقف الدولة في مصر لفترة تالية مستمراً في محاربة الجماعات الاسلامية بأشكالها المختلفة، حتى بعد اعلان المبادرة، مبادرة وقف العنف، واستمر الحال هكذا حتى فاجأت قيادات الجماعات الاسلامية في السجون والتي اصطلح على تسميتها بـ"القيادة التاريخية" بالاعلان عن اصدار 4 كتب سمتها "تصحيح المفاهيم"، وبدأ حوار اعلامي مع قيادات هذه الجماعات داخل السجون مع مكرم محمد احمد رئيس تحرير مجلة "المصور"، وأحد الذين كانوا قد تعرضوا لمحاولة اعتداء من قبل هذه الجماعات، وتوقف الحوار الذي بدأ في المرحلة التي استنفرت فيها أميركا نفسها والعالم في مطاردة الإرهاب الإسلامي كما يعتقدون في شتى أنحاء العالم، وتوقف الحوار لأسباب يدعي البعض أنه يفهمها ويعرفها، ولأسباب أدعي أنا أنني لا أفهمها.

لسنا هنا في مجال رصد لتطور مبادرة وقف العنف، أو تقييم لتصحيح المفاهيم، ولسنا هنا في مجال لتقييم المواقف المتشككة أو الموحدة لمواقف قيادات الجماعات الاسلامية أو أتباعهم داخل السجون أو خارجها، ولكن فقط أتوقف عند ملاحظات أبني عليها نتيجة.

من الملاحظ أن مصر لم تشهد منذ حادث الأقصر الدموي حادثاً تم توصيفه بالحادث المؤثر أو الكبير، وهذا يدل ـ من وجهة نظري ـ على أمرين: نجاح أمني تلازم مع التزام لما قطعه قادة الجماعات الاسلامية على أنفسهم من التزامات حتى الآن في الوقت الذي شهد فيه العالم حصاراً على كافة أشكال الجماعات الاسلامية، يدور الآن حوار مستمر مع تيار الاسلامي السياسي داخل السجون والمعتقلات وخارجها، وتبدأ أعداد منهم في الخروج الى المجتمع من جديد، وهي خطوة صغيرة في طريق طويل مطلوب الاستمرار فيه. أيضا في الوقت الذي تشهد فيه مناطق مختلفة من العالم والمنطقة العربية تفجيرات وأعمال عنف وإرهاب منسوبة الى المتشددين من الجماعات الاسلامية، لم تشهد مصر حادثاً أو تفجيراً رغم ان بدايات هذه الجماعات كلها تقريباً بدأت وامتلكت ارتباطات وعلاقات قوية من مصر، ومع جماعاتها تاريخياً وآنياً.

ما أعتقده أن البناء على ما تم انجازه حتى الآن مفيد ومهم، وعلى من يؤمن أن هؤلاء جميعاً هم أبناء هذا المجتمع عليهم أن يعملوا من أجل ضمان إنجاح الطريق الذي بدأ حتى لو كان هناك اختلافات، فهذه الاختلافات ينبغي توظيفها لتطوير الجهد والحوار وليس لإعاقته.

هذا الملف، ملف الجماعات الاسلامية، ينبغي العمل على اغلاقه بشكل إيجابي، وهذا مشروط بفهم أن هذا الملف معقد وليس ملفاً أمنياً فقط، بل هو بالأساس ملف سياسي اجتماعي ثقافي، ثم أمني، وبالتالي لن يغلق بشكل إيجابي إلا بإيمان الجميع بأن أبناء الوطن جميعاً هم بالفعل أبناؤه.

[email protected]