من يساعد بوش إذا طلب المساعدة؟

TT

هاهو جورج دبليو بوش قد وصل الى اللحظة التي يقرر فيها رؤساء أميركا الذين يسعون لإعادة انتخابهم، التحول باتجاه لعب دور دفاعي عن السياسة الخارجية، حيث اعتاد ذوو العلاقة، البدء بالتقليل من أهمية الدور الذي يلعبونه في المناطق الساخنة من أرجاء العالم، وتركيز وضع سياسات البيت الأبيض خلال فصل الصيف الذي سيسبق الانتخابات الرئاسية.

لكن بوش ليس من النوع التقليدي بين هؤلاء. فهو مرتبط بقوة باعادة تشكيل افغانستان والعراق ومنطقة الشرق الأوسط، الى درجة انه لا يستطيع التهرب من السياسة الخارجية خلال عام 2004.

ورئاسته مرتبطة إلى درجة يصعب معها التراجع، بالأحداث الجارية في تلك التخوم البعيدة والمنهكة، الأمر الذي يعني إن عليه الاستفادة من كل إمكانياته يوميا لكي لا يفشل على أقل تقدير.

يتطلب الأمر من بوش وطاقم عمل السياسة الخارجية للبيت الأبيض، والذي يشتد عزمه بشكل متزايد، ان يواصلوا موقفهم المتقدم طوال موسم الانتخابات. كما يتوجب عليهم البدء بتعديل نهج الإدارة الذي يميل إلى المضي قدما بشكل منفرد.

لا بد أن يسعوا للحصول على دعم أكبر من أصدقاء أميركا وشركائها التقليديين، فيما يتعلق بإدارة الأوضاع المشوشة لما بعد الحرب، والتي نجمت عن الانتصارات العسكرية السريعة في وسط آسيا ومنطقة الخليج.

هذه الأفكار باتت مطروحة بقوة في أوساط الرأي العام، وفي البيت الأبيض على ما اعتقد.

لكنها ليست طريقا في اتجاه واحد، وإدارة بوش ليست وحدها من يحتاج الى التفكير مجددا وبشكل جذري في المشهد الدولي الهلامي، الذي تسببت فيه القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة، ونهج بوش الدبلوماسي الانفرادي. إذ ان على فرنسا والمانيا وروسيا وغيرها من الدول التي عارضت حرب العراق، أن تتفاعل بشكل مقنع في تشكيل الصورة التي تريد رؤية العراق عليها في النهاية. ذلك إن العديد منهم لم يشر بعد إلى ما يبدو انهم مستعدون للمساهمة به من أجل تحقيق ذلك الهدف الذي يوجب على الولايات المتحدة السعي لإقحام المجتمع الدولي بشكل أكبر في العراق وفي أفغانستان، والذي بات مطروحا الآن بقوة في واشنطن.

هل نجاح الولايات المتحدة أو فشلها في العراق هو في مصلحة النهج الفرنسي «متعدد الابعاد»؟ وهل يريد متشددو المستشار غيرهارد شرودر في الحزب الاجتماعي الديمقراطي أن يكون لألمانيا علاقة ما بتعزيز نهج أميركا «الإمبريالي» الجديد؟ وهل تستطيع روسيا بالفعل العمل من أجل القضاء على فلول نظام صدام حسين الذي دعمته لأمد طويل؟

أطرح هذه الأسئلة ليس لأنني اعرف الاجابات عليها، بل لأنني أجهلها. ومن غير المؤكد أن تكون هذه الأسئلة قد طرحت من قبل البعض في الخارج.

وبدلا من التحليل الواضح لامم اعتادت العمل معا وبصورة مشتركة.. الأمم التي اعتادت على العمل معا، وجدت حالة من التناقض الوجداني الرسمي ما زالت متواصلة ـ مع وجود رغبة واضحة تسود أنحاء عديدة من العالم، بتعرض الولايات المتحدة لنكسة.

ويمكن للمرء أن يقوم فقط بالاطلاع على مضامين الصحافة اليسارية في فرنسا، أو أن يستمع للملاحظات المتشددة التي يطرحها التيار اليميني المؤيد لجان ماري لوبن، لكي يستنتج مشاعر العداء الكامنة لأميركا.

تناقض مواقف الحكومات الأجنبية بات بالفعل يؤثر على مساعي واشنطن التجريبية، المتعلقة بتوسيع الدور الذي يمكن للدول الأخرى أن تلعبه في إعادة اعمار العراق واحلال الهدوء فيه.

ورغم ان الهند وباكستان أوضحتا بجلاء انهما تفكران في إرسال قوات حفظ سلام إلى العراق، إذا ما توفر لها نوع من الغطاء السياسي، من قبل الأمم المتحدة. كما ان مصر قد تفعل ذلك، الا أن بوادر دعم هذا الاتجاه لم تظهر لا من جانب الدول الأعضاء في مجلس الأمن ولا من قبل أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان.

وهذا وضع يشير إلى قصر نظر. فالأمر لا يتعلق فقط بمصير رئاسة بوش المرتبط بدرجه أساسية بمساعي الولايات المتحدة الطموحة، رغم تعثرها، لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والخليج، بل يتعلق أيضا بمصير علاقات وتحالفات الدول الكبرى المرتبطة بالشؤون العالمية، وبالأمم المتحدة كمنظمة دولية فعالة.

تراجع أميركا في العراق نتيجة للفشل ـ وهذا ما استبعده بوش بشدة يوم الثلاثاء الماضي ـ سيكون له أثر مدمر على جميع الدول والمنظمات الدولية التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات سياسية واقتصادية هامة.

ومع تزايد الحركة في واشنطن باتجاه البحث عن وسائل افضل ـ أي إرسال المزيد من القوات الأميركية والعمل على خلق مزيد من التعاون الدولي ـ للتعاطي مع عودة حركة طالبان الى النشاط مجددا في جنوب أفغانستان، أو حملة التمرد في العراق، أو طموحات إيران النووية والنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، يتوجب على أوروبا وروسيا واليابان والصين أن تكون مستعدة، إلى جانب الولايات المتحدة، لمواصلة نهج يهدف إلى تحقيق نوع من «نجاح» يستفيد منه الجميع.

وهذا سيتطلب بذل جهود من أجل التوصل إلى تفاهمات مشتركة جديدة تتجاوز بكثير وبعمق، مجرد تبادل القبلات والمصالحات بين الحلفاء المستائين، الذي ميز دبلوماسية ما بعد الحرب حتى الآن.

وثمة من يشير إلى خطوات كبيرة يمكن القيام بها على الفور كارسال قوات شرطة ودعم للعراق وأفغانستان، واعادة تجديد شباب النظام الدولي الذي بات يعاني من الوهن.

ولكن إذا ما أردنا إحداث تغيير، فلا بد أن يبدي بوش أولا نوعا من المرونة ـ وعلى شركائه أن يستجيبوا للرجل الذي يسعى لإعادة انتخابه، ولا شك انه سيتذكر من مد له يد العون، ومن لم يفعل، عندما كان بحاجة إلى مثل هذا الدعم.

خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» *