الرجل الذي أشعل الحريق الأول

TT

دخل السجن اثني عشر عاما مضت، فأكمل العقوبة التي قررتها المحكمة ضده بلا يوم عفو واحد. رُفضت كل الوساطات التي قدمت من اجله، ورُدَّت خطابات الاستعطاف التي تحدثت عن مشاكل له في القلب وفقر دم حاد وداء المفاصل. واخيرا لا ندري أنقول عنه انه شجاع اختتم عقوبته بلا تنازلات ام ان السلطة محترمة، لانها افرجت عنه في الموعد بعد ان راجت اشاعات خلال الاشهر الماضية تقول انه سيبقى في السجن فترة اضافية، مدعية ان قتيلاً اسلامياً وُجدت في ثيابه رسالة منه. السجين، هو من اشهر الاسلاميين المعتقلين ومن اقدمهم، علي بلحاج، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، والذي كان معتقلا في سجن البليدة العسكري.

بلحاج هو اولى علامات عهد التسعينات بما رأيناه. ويعتبره كثيرون رمز التطرف السياسي وعلامة العنف المقبلة التي ضربت العالم من بالي في اندونيسيا الى واشنطن. في الجزائر كثيرون هاجموا السلطات العسكرية بدعوى انها نقضت عهد احترام الانتخابات بما ستفرزه من نتائج، وهنا قيل كلام كثير. قيل ان العسكر كانوا يبيتون لافساد الانتخابات بغض النظر عن الفائز المحتمل، شيوعياً كان أو اسلامياً، لان عينهم على السلطة. وهؤلاء يشيرون الى ما حدث بعد ذلك كدليل على صحة ظنونهم. وقيل ايضا ان الجميع اتفقوا ضد الاسلاميين لانهم كانوا قوة كاسحة، وبالتالي مهدوا للجيش للتخلص من الفريق المنتصر. وقيل ايضا ان الجيش انقذ البلاد، فقام بما اضطرت جيوش العالم واجهزته الامنية الى فعله لردع التطرف الديني وإنقاذ البلاد من حرب مقبلة، مثل حرب افغانستان.

مهما قيل عن بلحاج حتى بعد فك قيده، فانه يظل حبيس الشك، والذين ينظرون بارتياب الى نياته عليهم ان يعطوه فرصة. فقد دخل السجن في وقت كان فيه النظام نفسه يسمح له بالعمل السياسي وهو التزم به، وخرج منه كبيرا وعمره 47 عاما، حيث ان العمر والعالم من حوله تغيرا كثيراً. ولا يعقل ان يخرج انسان من سجن محاط فيه بسياج من حديد ونار الى سجن محاصر بالظن والاستنكار المبكر. لقد فقد اثني عشر عاما من شبابه في ظروف قاسية معظمها كانت في زنزانة انفرادية. وها هو يعود الى ابنته فاطمة وابنه عبد الفتاح، والى عائلته التي التفت حوله حتى ان اخاه عبد الحميد قضى معظم وقته مدافعا عنه في المحاكم والمراكز الامنية.

بلحاج رجل ثائر بطبعه، يذكرنا بشخصية مالكوم اكس، الاميركي المسلم الذي انتهى مقتولا، حاد في تصريحاته ويستثير من حوله. ورغم هذا فعلى الجزائريين ان يعطوه فرصة لان يكون مصلحا بين الطرفين. فهو شخص في غاية الاهمية لانه رمز الحركات الدينية اكثرمن بن لادن، وقارع الجرس الاول، وستحكم سيرته المقبلة في ظني على الحركات الاسلامية عموماً. فإن تحول الى سياسي مهادن، فهذا سيعني ان الاحزاب الاسلامية ستتعايش في ظل الوضع القائم، اما إذا كان سياسيا مقاتلا، فهذا يعني انها ستنتهي الى ما آلت اليه طالبان الافغانية.