عودة أميركية إلى «دبلوماسية السوق»؟

TT

حبذا لو تنفذ واشنطن، وبالسرعة المرجوة، ما لمحت اليه مستشارة الرئيس الاميركي للامن القومي، كوندوليزا رايس (إبان زيارتها الاخيرة للاراضي الفلسطينية) عن خطة لتخصيص مليار دولار «لمكافحة» ـ والأصح مضاربة ـ شعبية التنظيمات الفلسطينية المسلحة في الشارع الفلسطيني... ليس لحاجة الفلسطينيين الماسة الى هذه المساعدات فحسب بل أملا في عودة واشنطن الى أولوية «الاباء المؤسسين» للدولة الاتحادية (Founding Fathers) في خيارات الحفاظ على مصالحهم في الخارج.

في عصر الزعامة الاحادية وتحدياتها المعقدة، قد يكون من الاجدى للدولة الوحيدة في العالم التي تعتمد مقاربة تجارية للشأن السياسي ـ حكومتها «إدارة» ووزراؤها «سكريترون تنفيذيون» لدى رئيس هذه الادارة ـ أن تعود الى توسل دبلوماسية السوق، عوض دبلوماسية الصواريخ، في تحقيق اهدافها الاستراتيجية.

قد تكون هموم الزعامتين السياسية والاقتصادية اللتين تتحملهما واشنطن شبه منفردة دافعا عمليا للارتداد الى التاريخ وإجراء جردة واقعية لما حققه «الآباء المؤسسون» خلال الحقبة التي شهروا فيها سلاح الدولار «لتوسيع حدود» الولايات المتحدة ـ ونفوذها في العالم. وأي نظرة موضوعية الى هذه الحقبة تظهر انها كانت الانجح في تاريخ الولايات المتحدة والأقل إثارة لعداء العالم لها.

بسلاح الدولار ـ المرحب به على نطاق واسع دوليا ـ حققت واشنطن انجازات لا يستهان بها منها:

ـ ضم ولاية لويزيانا الى الاتحاد الاميركي الناشئ ليس بالحرب بل بصفقة مالية عقدتها مع نابوليون بونابرت عام 1803تنازلت بموجبها فرنسا عن كبرى مستعمراتها في العالم الجديد... لقاء 15 مليون دولار فقط.

ـ ضم ولاية الاسكا الغنية بالنفط والغاز... أيضا بصفقة تجارية أخرى عام 1867تنازلت بموجبها روسيا القيصرية عن هذه المقاطعة الشاسعة مقابل 7.2 مليون دولار قبضتها نقدا وعدا.

ـ السيطرة على ثلاث دول هي الفلبين وجزيرة غوام وجزيرة بورتوريكو لقاء 20 مليون دولار فقط لا غير دفعتها، عام 1898، لاسبانيا بصفتها الجهة المستعمرة لهذه الدول. وآنذاك حسمت الولايات المتحدة نزاعا سياسيا آخر مع دولة الفاتيكان حول ملكية جمعيات دينية كاثوليكية لمساحات شاسعة من اراضي الفلبين بأن اشترت معظم هذه الاراضي، عام 1904، بمبلغ لا يزيد عن 7.2 مليون دولار.

ـ ضم اوروبا الى حلف شمال الاطلسي، وحمايتها في الوقت نفسه من الخطر الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية، بموجب الصفقة المالية المسماة «مشروع مارشال» والتي كانت الاضخم حتى الان إذ بلغت كلفتها 13.3 مليار دولار عام 1948.

هل تعود واشنطن الى دبلوماسية «الاباء المؤسسين» وحكمتهم، عبر بوابة المنظمات الفلسطينية المسلحة أم أن عرض كوندوليزا رايس مجرد بالون اختبار لردود فعل الشارع الفلسطيني على سلام «خريطة الطريق»؟

بمنظور عملي، تأخرت واشنطن في زج سلاح الدولار في الرقم الفلسطيني في معادلة التسوية الشرق أوسطية. ولو قرنت شعار «الدولار مقابل السلاح» مع شعار «الارض مقابل السلام» منذ مؤتمر مدريد عام 1991، لربما اختصرت سنوات الازمة وسرعت تسويتها.

لكن، ايا تكن الدوافع السياسية لعرض كوندوليزا رايس، يبقى مبلغ المليار دولار المقترح مجرد مساهمة خجولة في أي محاولة لتعويض ما أغدقته الخزينة الاميركية على اسرائيل من مساعدات مالية وعينية على مدى العقود الاربعة المنصرمة.