التحديث المستنير خير سبيل لمكافحة الإرهاب

TT

تأثرت باكستان، بشكل خاص، بانعكاسات احداث 11 سبتمبر، ولكن العالم كله، ايضا، شعر بالتغيير، وتحديدا في محاربة الارهاب.

ان الوضع الاستراتيجي اليوم، يختلف تماماً عما كان عليه قبل ذلك الحادث. فالى ما قبل وقوعه كان الوضع يراوح، بشكل او بآخر في نطاق تأثيرات بقايا الحرب الباردة بين الشرق والغرب. بعد ذلك تغير التركيز الاستراتيجي نحو الشرق الاوسط، ودول الخليج، وجمهوريات وسط اسيا وتحديداً افغانستان وجنوب اسيا. تقع باكستان الدولة المسلمة، على تقاطع طرق هذه المنطقة. وهي محور هذا التركيز الاستراتيجي، وبالتالي فهي على الجبهة الامامية في محاربة الارهاب.

وتمحورت مهمتنا في ثلاثة اتجاهات: ضد «القاعدة»، وضد «طالبان» ـ واعني بذلك الاداريين السابقين لنظام طالبان وانصارهم في افغانستان، وضد المتطرفين المتدينين عموماً. بينما قامت استراتيجيتنا في مكافحة الارهاب على مستويين: قطع الافرع، والوصول الى الجذور المسببة للارهاب. وتطلب الامر الضغط على المتطرفين، ولكنه احتاج ايضاً ان يترافق مع «تحديث مستنير» بهدف تحريرنا من عمق الامية والفقر المعيشي والصحي. ويعني هذا ايضاً حل الخلافات السياسية ـ من كشمير وحتى الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني ـ بشكل عادل. من اجل ذلك نسعى للتحاور مع الهند حول مختلف الامور. لقد تحاربنا في الماضي ثلاث مرات، ولا نريد المزيد من الحروب.

غير ان هذا التوجه المستنير يتعرض الآن للخطر، ذلك ان العالم الاسلامي اصبح يرى نفسه مستهدفاً من الغرب، فيما يرى العالم النامي الاسلام كدين تعصب وغير تسامحي، وكلا الامرين خطأ.

لقد اعتقلنا حتى الآن اكثر من 500 عضو من اعضاء تنظيم «القاعدة»، لكنهم 500 ورقة من شجرة. واذا بقيت الجذور على حالها، فسوف تعود الاوراق للنمو مجددا. لهذا نسعى الى الحد من تأثير «المدارس» الدينية وندفع باتجاه تعزيز التعليم الحديث، كما نحاول دفع عجلة الاقتصاد الى الامام لنحد من انتشار الفقر. ورغم غرابة ما اقوله كجنرال، فأننا نحاول اقامة حكم شريف لادارة فعالة ضمن ديمقراطية دائمة، بدل الفساد المتكرر عبر السنوات الماضية والذي سلب حقوق الرجال والنساء.

هل ستبعدنا محاولتنا للتقرب من الولايات المتحدة وتطوير الديمقراطية عن العالم الاسلامي؟ بالطبع لا، فعلاقتنا قوية، ولسنا بعيدين عن العالم الاسلامي، ولدي علاقات جيدة مع كل الدول الاسلامية. أما في ما يخص الوضع داخل باكستان، فأني على ثقة من وقوف الاغلبية الى جانبي وتأييدا لي، ولهذا اتجول في رحلات عمل طويلة خارج البلاد وانا مطمئن.

اذا عدنا لقراري الذي اتخذته بعد 11 سبتمبر، بالوقوف الى جانب الولايات المتحدة في الحرب على الارهاب، فسوف نتذكر حديث الاعلام آنذاك عن انتفاضة اصولية ومتطرفة، وعن توقعات وسائل الاعلام قيام شبه ثورة باكستانية استنادا الى ما شهدته شوارع البلاد من تظاهر.

قلت دوماً ان هذا غير صحيح. انظروا للناس يتظاهرون في كراتشي. انهم ملتحون، لكن كراتشي لا تدعم الملتحين. لقد حضر هؤلاء من الخارج، كثيرون منهم من افغانستان. وهم قلة من 14 مليون يعيشون في كراتشي. وفي لاهور وكويتا كان الوضع مشابهاً، حيث كانت قلة متطرفة تتظاهر في الشوارع. وبعد عامين، اسأل اين هي تلك الثورة؟

من المؤكد ان الاغلبية تؤيد خط باكستان الحالي، انهم يؤيدون «التحديث المستنير» وهذه هي الحقيقة على الارض.

اما مشاكل المنطقة ككل فهي تحتاج بالتأكيد الى اهتمام وحلول عادلة من اجل هزيمة الارهاب. وتعد التطورات الاخيرة في الشرق الاوسط مشجعة، كونها بقيادة الولايات المتحدة والرئيس بوش شخصياً. وهي خطوة على طريق اقتلاع جذور الارهاب. لقد بت اشعر بالسعادة لقبول تنظيم «حماس» الهدنة. ونحن في باكستان، ومنذ زمن نرى انفسنا فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين. اذا استعد الفلسطينيون لتقبل السلام، فسنكون كذلك من اجل السلام، فنحن بعيدون اصلا. اما اقامة علاقة مع اسرائيل، فلا ارى مانعا من اقامة حوار حول موقفنا من هذا الامر، ولن يتم ذلك بين ليلة وضحاها. نحتاج الى توافق وطني، ومن الناحية المبدئية ثمة مجال فعلي لمراجعة سياستنا.

اما بشأن العراق والوجود الاميركي فيه، فاعتقد، انه من المهم الحد من ظهور الاميركيين العلني هناك. فمشهد الدبابات الاميركية وهي تواجه جمهورا من مائة او مائتي الف مواطن، ليس امرا محببا. فالعراقيون مثل بقية شعوب الارض يعارضون الوجود الاجنبي من هذا الطراز، ولا بد من الاخذ بمشاعر الناس.

فالحد من الظهور الاميركي سيكون ممكناً عند منح العراقيين الادارة الامنية. وربما كان من الافضل ان يدار الامن من قبل رجال جيش متقاعدين بدل تسليمه للشرطة التي تحظى بسمعة شعبية سيئة. المهم القيام بذلك في اسرع وقت.

وأعود الى جيراننا في الهند واقول ان الامل يحدوني بان نبدأ حوارا (في ظل حكومة الحزب الهندوسي القومي)، لكني غير متأكد كيف سيمضي، وهل يتركز على جوهر قضية كشمير من اجل التوصل لحل عادل ام غير ذلك. للاسف لقد طالبت الهند في الماضي، بخطوات لبناء الثقة، وعندما كنا نتقدم لمقابلتهم، كانوا يهمشون موضوع كشمير. اتهموني بالحول كوني اركز على قضية كشمير، وهذا غير صحيح ابداً. فأنا ارى الحقيقة على الارض، اذ تحاربنا مراراً حول كشمير. هناك قتل وانتهاك يومي لحقوق الانسان. اذا لم نركز على كشمير فعلى اية قضايا بيننا سيجري التركيز؟

رغم ذلك لم تزل لدي آمال بان يشجع اتال بيهاري فاجبايي (رئيس الوزراء الهندي) السلام، وان يقتنع بان كشمير قضية مركزية بين البلدين.

* المقال مأخوذ عن مقابلة اجراها محرر «نظرة عالمية» ناثان جاردلز مع الرئيس الباكستاني برويز مشرف ـ خدمة «هيرالد تريبيون» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»