الديمغرافيا تقرع الأجراس في إسرائيل

TT

خريطة طريق سلام منطقة الشرق الأوسط تعد برهانا آخر على التزام جميع الإدارات الأميركية، ديمقراطية كانت أم جمهورية، التقليدي، وإذا صح القول المثير للإعجاب، بضرورة تمكين المنطقة من العيش بسلام. لكن ونظرا لطبيعة النزاع المتشابكة، لا يجب أن ينزعج الاميركيون من اصحاب النيات الحسنة من فرضية تواصل غياب الاستقرار، ربما حتى عام 2015.

البعض قد يسأل: لماذا عام 2015 بالتحديد؟ حسنا، وفقا لنتائج مسح أخير أجراه المعهد اليهودي للتخطيط، سيكون عدد العرب الذين يسكنون مابين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، في ذلك العام أكثرمن عدد اليهود. ذلك ان العرب هنا على ما يبدو لديهم من الأطفال ما يفوق ما لدى اليهود.

هذه الإحصائية المباشرة تحمل معنى واحدا. إذا ما أبقت إسرائيل الضفة الغربية وغزة تحت سيطرتها، فسيتوجب عليها الاختيار بين أمرين مؤلمين: إما فقدان شخصيتها اليهودية، أو التوقف عن كونها دولة ديمقراطية. وبعبارات أخرى، إذا ما أرادت إسرائيل ان تحافظ على بقائها يهودية وديمقراطية معا، فإن عليها الانسحاب من الأراضي.

وفي ظل تواصل المزيد من التهديدات، كالتفجيرات الانتحارية وغيرها من الهجمات الإرهابية، يبدو ان الإسرائيليين يميلون لتجاهل دقات الساعة السكانية. والأولوية قد تكون لمكافحة الإرهاب، لكن آخرين، بمن فيهم فلسطينيون، يترقبون بدقة تلك الدقات.

محمود درويش، الشاعر الفلسطيني الذي يعيش في المنفى، تساءل في مقابلة أخيرة مع «يديعوت أحرونوت» عن حقيقة ما يفعله رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون، وقال: «إذا كنت لا ترغب في قيام دولة فلسطينية فوق 22 في المائة من مساحة الأرض اليوم، فبعد 20 سنة ستكون هناك دولة فلسطينية فوق كامل الأرض».

ومن المؤكد ان شارون ليس أعمى مطلقا عن مسار التاريخ هذا. وقد أدهش الجميع مؤخرا بتصريحه المذهل، عندما قال: «قد لا يروق لكم ما سأقوله. لكن ما يحدث هو احتلال. فإبقاء 3.5 مليون فلسطيني تحت الاحتلال، يعد في اعتقادي شيئا مزعجا بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة للفلسطينيين».

مواجهة الواقع تعد بالفعل خطوة هامة نحو الحل. ولسوء الطالع ينادي الحل ليس فقط بإجلاء مجموعة قليلة من المستوطنين غير الشرعيين، عن قمم التلال الجرداء، بل بتفكيك بلدات وقرى مزدهرة حيث اعتاد اليهود العيش لما يزيد عن 30 عاما. وهنا يبرز سؤال مفاده: هل تتوفر لدى أرييل شارون القدرة على فعل ذلك؟ أنا شخصيا ما زلت أتساءل.

ففي البداية، ظل هو المهندس والمؤيد الصلب لمؤسسة الاستيطان. وإيمانه بالأهمية العسكرية لهذه المناطق بالنسبة لإسرائيل، مدعوم بقناعته القوية بأن اليهود لديهم حق الاستيطان في إي مكان من أرض إسرائيل.

سبب ثان يشير إلى أن شارون قد يجد صعوبة، إذا لم يكن استحالة، في فك الإرتباط بالفلسطينيين، هو ان تفكيك المستوطنات والتراجع إلى الخلف، قبل التوصل إلى سلام نهائي ودائم، قد يعتبرهما البعض نوعا من مكافأة الإرهاب الفلسطيني.

وهكذا، فإن درس المستقبل قد يكون سهلا: إثارة الرعب في إسرائيل واستخدام القوة لانتزاع ما لم يتسن تحقيقه على طاولة المفاوضات. ويعتقد العديد من الإسرائيليين انه ما أن يحصل الفلسطينيون على الخليل وغزة، حتى يطالبوا بحيفا ويافا.

وعلى أية حال، أنا شخصيا أعتقد بأن على إسرئيل ان تنسحب من طرف واحد من الأراضي، لأن الخيارات في منطقة الشرق الأوسط ليست بين الجيد والسيئ ـ بل إنها بين السيئ والأسوأ. وفقدان الطبيعة اليهودية لإسرائيل أو ديمقراطيتها، يعد بالنسبة لي أسوأ السيناريوهات المحتملة.

وهكذا على إسرائيل ان لا تنتظر إلى الأبد، على أمل أن يثبت الفلسطينيون في المستقبل إنهم شركاء سلام يمكن الوثوق بهم. بل إن عليها أن تتصرف بمفردها، من طرف واحد.

ولسنا بحاجة للقول إن هذه المسألة بالنسبة لإسرائيل تتطلب وجود قيادة تملك بعد نظر تاريخياً. وهي مسألة تعود بي مجددا للحديث عن الدور الاميركي في منطقة الشرق الأوسط.

فالدور التقليدي للولايات المتحدة كوسيط للسلام، وفيصل في الأمر، ربما يكون هو المطلوب لإدارة النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لكن على أن لا يتجاوز الامر ذلك. وما أن تعترف قيادة إسرائيلية بأن العامل السكاني يعد اهم عناصر النزاع، وتتصرف في ضوء ذلك، حتى تبرز الحاجة لنوع مختلف من الرؤية الأميركية.

إذاً ومتى ما أبدت إسرائيل استعدادها للتحرك من طرف واحد في الاتجاه الصحيح، فإن على الولايات المتحدة أن لا تقوم فقط بالترحيب بذلك، بل بأن تدعمه بضمانات أمنية قوية وبمساعدات ضخمة. والأموال يجب أن تستغل بسخاء لتعويض المستوطنين ممن ستتم إعادة تسكينهم، ثم لعرض الحوافز الاقتصادية على الفلسطينيين لكي يتبنوا نهج السلام.

ومع توفيرها لحدودها التي حددتها لنفسها أخيرا، قد يكون حجم دولة إسرائيل الديمقراطية، ذات الاغلبية اليهودية، أقل من حيث المساحة، لكنها ستكون أقوى معنويا. وحينئذ سيتسنى لإسرائيل، وقد تحصنت بأمان خلف خط دفاعها المتين، أن تدافع عن نفسها بكل قوتها.

وفي المستقبل، عندما يشعر الفلسطينييون أخيرا بالتعب من إرهابهم الخاص بهم، ويكونون مستعدين لسلام حقيقي مع إسرائيل، فإنهم هم الذين سيحطمون الأسلاك الشائكة. وذلك سيكون أفضل استثمار قدمته الولايات المتحدة للمنطقة على الإطلاق.

* مدير شعبة التواصل الدولي في معهد الديمقراطية الإسرائيلية بالقدس