يا له من منطق .. يا لها من مهزلة

TT

ضحكت وأنا أقرأ رسالة بائع العراق، صدام حسين، الى الشعب العراقي، يطمئنهم أنه بينهم وإن كان شيئا لا نراه. هذه الرسائل المزعومة تذكرني بعنوان مسرحية قديمة من مسرح الستينيات المصري لسعد الدين وهبة، كان عنوانها «يا سلام سلّم الحيطة بتتكلم»، وكان مفادها يتلخص في بيت شعر يقول:

«يا ناطقا من جدار وهو ليس يُرى

اظهر وإلا فهذا الفعل فتان».

ولأنني من أشد المؤمنين بنظرية المؤامرة، في هذا العالم الذي تحكمه العصابات والمافيات والنوادي المشبوهة، تحت رعاية الحقبة الأمريصهيونية، فأنا ما زلت أميل الى أن صدام قد «سلّم وتسلّم» وهرب من سراديبه الى قاعدة أميركية قبل بداية الغزو الأنجلو اميركي على العراق 20 مارس 2003، وترك وراءه مخزونا من أشرطة الفيديو والكاسيتات اللازمة للألعاب المطلوبة بين حين وآخر، وأراها ألعابا في غاية السذاجة والفجاجة، ومن العجب أن البعض يصدقها ويأخذها مأخذا جادا. إن محاولة لصق مقاومة العراقيين للاحتلال الأجنبي ببائع العراق، حيلة لئيمة، لا يستقيم معها منطق، لوصم المقاومة الشعبية بالصدامية، وللإيحاء بأن بائع العراق في تناقض مع القوات المحتلة، والتي هي في حقيقتها الامتداد المستمر لاحتلال صدام للعراق منذ 14 يوليو 1979. كل هذه الحكايات عن رؤية صدام بعد سقوط بغداد في 9 ابريل 2003، في هذا المكان وذاك الشارع يسير مع ابنيه الذئبين يقول: «انتهى كل شيء»، فيبكي قصي ويتشنج عدي، هذه كلها من حواديت «أمنا الغولة». لقد كشف صدام حسين ظهر العراق وأرشد الأعداء الحلفاء، حلفاءه، الى الأرض والناس، فكيف لمثل هذا الوغد أن يقاوم أو يقود مقاومة أو يدعو إليها، حتى ولو من وراء جدار وفيديو وكاسيت، وهو الذي تملّك الوطن 23 عاما فلم يرع فيه ذمة؟

هذا الذي استباح كل حرمات الشعب العراقي ما له ومال مقاومة المحتل، لا يغيب عن أعين أهل البلاد، يتجول في شوارعهم، ويقتحم دورهم، ويستذل رجالهم بالمجنزرات والسترة العسكرية والحذاء الثقيل والعنجهية المهينة؟

وقع البعض في الفخ وتساءل: أين الماء النظيف، أين الكهرباء، أين الوعود بالتحرير؟ وكان لا بد أن أنتحب وأنا أردد: كيف ترجون العدل من أيدي الجناة؟ كيف تتعشمون الخير من البلاء؟ متى كان يمكن لحدأة أن تسقط الكتاكيت؟ تعرفون جيداً أنها قوات أجنبية محتلة، فكيف يمكن ان تكون ملائكة تحرير؟ إنهم الجدب والوباء اللذان أتى بهما صدام ليكملا بعده مسيرة الخراب والتخريب، إنهم الوجه الآخر للشؤم الصدامي فكيف لا تكون المقاومة أهلية عراقية تحك بظفرها جلدها لتتولى بنفسها جميع أمرها؟

لا يجوز لأحد أن يقع في أحابيل الخديعة التي تفترض التناقض بين قوات الاحتلال وصدام حسين، بحيث يتصور من يلعن صدام أن من واجبه الدفاع عن قوات الاحتلال، ويتصور من يلعن قوات الاحتلال أن من واجبه الدفاع عن صدام وتبرير جرائمه ومقابره الجماعية والاعتقاد بأنه: يقود مقاومة عراقية يا له من منطق، يا لها من مهزلة!