الخطيب وما يطلبه المستمعون

TT

قدرت للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية السعودي انه انتقد الممارسات التي تهدد وضع المساجد بتحويلها الى دور اثارة لا دور عبادة. فهل للخطيب حق في ان يختار ما يعجبه، ويعكس رأيه الشخصي في القضايا العامة؟

الشيخ صالح رد بـ«لا»، لأن خطبة المسجد ليست تقارير إخبارية وسياسية، «فالخطبة تنزّه عن أن تكون إذاعة، أو أن تكون قناة، أو أن يكون الخطيب مذيعاً أو صحافياً» ويقول ايضا، «ولهذا أعجبني قول بعض طلبة العلم من الخطباء المتميزين، قال: أنا أخطب بما يُراد شرعاً لا بما يطلبه المستمعون.

كل يشتكي من ظاهرة استغلال المنابر، ففي المغرب اعلن وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية قائلا «لن اترك خطيبا برلمانيا، او زعيما حزبيا يخطب الجمعة». اما الأردن فمنذ سنوات وضع قانون الوعظ والارشاد بعد ان صارت المساجد تجمعات حزبية علنية، وانتقلت حتى خلافات هذه الاحزاب الى دور العبادة. اما مصر فقد عرفت التسلل السياسي قبل بقية المساجد العربية الاخرى، منذ السبعينات، ودفعت هذه المشاكل الحكومة على التدخل حتى في قياس الخطبة حيث قرر وزير الاوقاف الا يزيد زمن الخطبة عن عشرين دقيقة. وبطبيعة الحال لا احد يريد كل هذا التدخل انما صد هجمة المسيسين وتخليص المساجد منهم ضرورة لا يمكن تجنبها.

هذه مشكلة المنطقة اليوم، المدارس صارت احزابا وبيوت الله حولت الى دور للسياسة. ومورست خلال السنوات الماضية تغييرات حقيقية في دور الخطيب ومعنى المسجد حتى صارت الشعبية مقياسا يقيم على اساسه الخطباء ودور العبادة، يشبه الى حد ما الاعلام حيث تقاس الصحف بالتوزيع او في الرياضة حيث توزن الاهمية بالشعبية.

الشيخ صالح الدسيماني، داعية، هو الآخر وصف الأزمة بقوله «مما يؤسف له أن بعض الخطباء في بعض البلاد الإسلامية حرفوا المنبر عن الهدف الصحيح ونحوا به منحى خطراً، فأصبحت المنابر تنطق بالسب والشتم والغيبة وتجريح الأشخاص والدول والفرق، بينما كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم عدم تخصيص أشخاص بأعيانهم، بل كان يقول: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أو يفعلون كذا وكذا»، وبعض الخطباء حولوا المنابر إلى أماكن لسرد الأحداث والإشاعات والأخبار فكأنك تسمع نشرة للأخبار أو تحليلاً سياسياً، بينما تجد من المأمومين الذين يستمعون إليهم من لا يعرف الوضوء أو الصلاة وأحكام الدين».

هذا التوظيف السياسي للمسجد طرأ بعد تسلل المسيسين اليه، الذين يريدون تحويل بيوت الله الى ملاحق لاحزابهم ومنابر لتياراتهم، مدركين ان ما يقال في المسجد يؤمن به ولا يصدق فقط. ولهذا تشن حملة قائمة على الخطباء الملتزمين بالمنهج الصحيح يتهمونهم بالتقاعس عن ما يسمونه خدمة رسالة المسجد، اي خدمة اهدافهم، وهذه الحملة ادخلت وعاظا في حوزتهم عن حسن نية وسيست آخرين.

مهمة المسجد، كما نعرفها وكما قالها الشيخ الدسيماني، «منابر هداية للناس ودعوة للخير وتلمس حاجات الناس في عباداتهم ومعاملاتهم»، اما الذين يبحثون عن الاثارة او النقاشات السياسية فلماذا المسجد وامامهم اكثر من عشرين قناة تلفزيونية تخطب فيهم عن السياسة كل ليلة؟