عزت إبراهيم والثلج

TT

انتقدني السيد يعقوب عقيرة (ارجو ان يكون هذا هو النقل الصحيح للاسم من الحروف اللاتينية) على ما كتبته في قصتي القصيرة «مسألة كلاب وقطط» ويقول انني مع الآخرين القي باللوم على اليهود. يا عزيزي يعقوب لا ادري كيف توصلت الى هذا الاستنتاج من هذه القصة الفكاهية؟ موقفي معروف. اذا كان هناك لوم فأنا القي بذلك اللوم على العراقيين الغوغائيين الذين اساءوا لاخوانهم اليهود واعتدوا عليهم. واعتقد ان علينا واجب الاعتذار لهذه الطائفة العراقية العريقة والرائعة. ولكن قبل ذلك اعتقد ان على الصهاينة الغربيين ان يعتذروا ايضا لهذه الطائفة. فتفجير المسألة الفلسطينية في العشرينات والثلاثينات والحروب التي تلت ذلك هو الذي قوض كيان هذه الطائفة وشتت ابناءها وقضى على تقاليدها التاريخية وانهى حياتها الآمنة والمترفة في العراق بعد ان عرضها للاضطهاد.

ولكن للأخ يعقوب حكاية أخرى تتعلق بعزت ابراهيم الدوري. فمن شخصيات الطائفة اليهودية العراقية السيد موشي ابراهام (ابو الثلج) الذي اسس معملا للثلج في بغداد. واستخدم عزت ابراهيم في بيع الثلج للجمهور. وكان موشي من رجال الاعمال المتطورين فبنى لعماله ستين شقة (مشتمل) لسكنهم. وبادر عزت ابراهيم الى اسكان ابناء عشيرته فيها وتشغيلهم في المعمل. وبعد ان توفي واستلمت زوجته المعمل، اغتصب البعثيون الحكم في العراق. وكما نعلم كان ديدن هؤلاء القوم الاستيلاء على اموال الآخرين. وهل اسهل من الاستيلاء على معمل يعود لامرأة ارملة يهودية؟ جاء عزت في احد الايام وقال لها ان الحكومة منعت استيراد الامونيا. معنى ذلك ان المعمل سيتوقف عن العمل. فهمت ارملة السيد موشي الغرض من وراء ذلك فتنازلت عن المعمل لهم. ولكن عزت ابراهيم بقي يشعر بالدين لهذه الاسرة اليهودية، فعندما جاءته في 1972 والتمست منه ان يدبر لها ولولديها جوازات سفر ليخرجوا من العراق (وكان ذلك ممنوعا على اليهود)، لبى طلبها وسهل لها خروجها مع اسرتها، حيث يقيمون الآن في لندن.

يا عزيزي يعقوب انك تفرض عليّ الآن ان اغير رأيي وابدأ بتوجيه اللوم عليكم. فلم اكن اعرف حتى الآن ان يهود العراق قد ساهموا في دعم هذه العصابة البعثية في الوصول الى الحكم. كيف تبنون ستين شقة لافراد هذه العصابة من اقارب عزت ابراهيم وتوفرون العمل ولقمة العيش لهم؟ لماذا لم تضعوا شيئا من السم في اكلهم؟

يجرني هذا الموضوع الى المقارنة التي اصبح الناس يكررونها في هذه الايام بين صدام حسين وهتلر. وانا اعتبرها مقارنة مجحفة بحق هتلر من عدة وجوه. وهذا واحد منها. ما بدأ هتلر بمطالبته أولاً هو اخراج اليهود من المانيا. قال للعالم اننا لا نريدهم بيننا. اذا كنتم تحبونهم وتعطفون عليهم فخذوهم. ولكن العالم رفض اخذهم. عقدوا مؤتمرا في افيان لتوزيع اليهود على الدول. ورفض الجميع اخذهم. وهكذا بقي اليهود في المانيا فقام النازيون بحرقهم في الاخير.

صدام حسين قام بعكس ذلك. العالم يرحب باستلام اليهود العراقيين ولكن صدام حسين لا يسمح لهم بالخروج. راح يعلقهم على المشانق بدلاً من ان يعطيهم جوازات سفر ويقول لهم مع الف سلامة. وهذا موقف غريب من الجانب العربي عموما. فلا نحن سمحنا لهم بالخروج ولا سمحنا لهم بعيش كريم بيننا. سلوك متناقض تماما. ومن في العالم احفل بالتناقضات من الامة العربية؟