إدارة العراق.. بالحب

TT

لا خمسون الف جندي اميركي اضافي طلبهم رئيس الادارة المدنية للعراق بول بريمر ولا مائة الف ولا حتى خمسمائة الف سيكفون لتحقيق الامن والاستقرار في العراق اذا ما بقيت الولايات المتحدة تتصرف بالطريقة التي تصرفت بها حتى الآن. فلاحقا يمكن ان تنشأ معارضة واسعة للوجود الاميركي في العراق ،قد تتطور الى معارضة مسلحة، ولا يعود فلول نظام صدام وبعض الاصوليين المتشددين والمرتزقة الاجانب ينفردون بهذه المعارضة، كما هو عليه الحال الآن.

ستحتاج الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الاخرى التي ستقرر المساهمة في قوة حفظ الامن والسلام في العراق الى ان تضع في كل قرية وفي كل حي كتيبة عسكرية كاملة معززة بكل انواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة للسيطرة على الاوضاع، لكنها مع ذلك لن تضمن عدم التعرض الى هجمات من افراد محبطين او يائسين او حتى مضللين.

الادارة الاميركية في العراق، بشقيها العسكري والمدني، لم تتصرف حتى الآن بما يتوافق مع التعهدات والوعود الخلابة التي اطلقت في واشنطن ولندن وغيرهما قبل الحرب وأثناءها وبعدها، او مع الاحتياجات والتطلعات الاساسية للشعب العراقي. فلا الادارة المدنية حققت، بعد ثلاثة اشهر من اطاحة نظام صدام، خطوة ملموسة على صعيد اعادة الخدمات العامة للسكان، خصوصا في العاصمة بغداد، والبدء بعملية اعادة الاعمار، لكي يتعزز الأمل لدى الناس بأن العهد الجديد سيكون حقا افضل من العهد المطاح به، ولا الادارة العسكرية استطاعت ان تحد من هجمات فلول النظام السابق وحلفائه الجدد من الاصوليين المتشددين والمرتزقة الاجانب عليها وعلى المدنيين العراقيين وان توقف اعمال التخريب التي ينظمها هؤلاء ضد مؤسسات الخدمات العامة العراقية. اكثر من هذا ان هذه الادارة لا تسمح للعراقيين انفسهم بأن يلعبوا الدور الذي يستطيعونه لانجاز ما تفشل هي فيه.

علّة العراقيين هي ان نظام صدام صادر حقوقهم الانسانية، فضلا عن السياسية، وانتهك كرامتهم واستولى على ثرواتهم وعاث بواسطتها فسادا في ارضهم وارض غيرهم. ولكي يبرأ العراقيون من عّلتهم المزمنة لا بد للادارة الاميركية، المدنية والعسكرية، باعتبارها سلطة الاحتلال، ان تحرص كل الحرص على عدم انتهاك اي حق انساني او سياسي لأي عراقي وعدم المس بكرامتهم، حتى عندما تفتش قواتها الناس والسيارات والمنازل بحثا عن عناصر النظام السابق، فليس من الصحيح التصرف على اساس ان كل عراقي مشبوه. ولا بد لهذه القيادة ايضا ان تحسّن بأسرع وقت الاوضاع المعاشية للسكان بزيادة كمية الاغذية الموزعة في اطار الحصة التموينية وتوسيع تشكيلتها، ولا بد من صرف الرواتب للعمال والموظفين وتعويض المتضررين. فللعراق اكثر من عشرة مليارات دولار مودعة في احد البنوك الفرنسية لصالح برنامج «النفط مقابل الغذاء»، اضافة الى عشرات المليارات المجمدة في بنوك مختلف بلدان العالم، ان باسم الدولة العراقية او بأسماء مسؤولي النظام السابق، وواحد او اثنان من هذه المليارات كفيل بسد الاحتياجات الماسة للعراقيين الذين لا ينبغي ان يتمنن احد عليهم بشيء وهم يمتلكون كل هذه الاموال السائلة المجمدة، فضلا عن ملكيتهم لواحدة من اكبر ثروات النفط في العالم.

ليس بالقوة ستستطيع القوات الاميركية في العراق حفظ امنها وأمن العراقيين، وانما بقيامها بما لم يكن نظام صدام يقوم به وليس بما كان يقوم به كما تفعل هذه القوات الآن. ونظام صدام كان مع العراقيين يقوم بكل شيء يناهض الحب ويناقض الود.

[email protected]