تضاعف إنتاج المخدرات في أفغانستان.. وبرعاية أمريكية

TT

حين يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مسمع من نظرائه في سان بطرسبورج عن قلق بلاده وعجزها عن مواجهة تدفق ما يقرب من 70 في المائة من المخدرات يجري تهريبها عبر روسيا الى اوروبا من افغانستان، فان المشكلة تكون قد تجاوزت حدود الدولة الروسية. وحين تعلن الهيئات الدولية عن تزايد انتاج المخدرات في افغانستان خلال الفترة التي تخضع فيها للاحتلال الامريكي بنسبة 150 في المائة، فان أصابع الاتهام يمكن ان تشير الى المسؤول الحقيقي عما يجمع بين هذه الارقام.

فمشكلة إدمان الشباب الروسي للمخدرات فرضت نفسها على المجتمع السوفياتي ثم الروسي منذ اولى سنوات الغزو السوفياتي لافغانستان مما يجعل الارقام التي تقول ان العدد الحقيقي للمدمنين يناهز الخمسة ملايين، وان الشباب ينفق على المخدرات ما يقرب من مليارين ونصف مليار دولار سنويا تبدو اشبه بالمحاولة اليائسة لدق ناقوس الخطر.

ولعل اليأس هنا يمكن ان يكون مبعثه ذكريات أليمة تتقافز الى الاذهان وتعيد الى حاضر اليوم الكثير من مظاهر بشاعة الامس التي سبق ان سجلها عدد من المهتمين بخفايا ما جرى ويجري في افغانستان بين دفتي عدد من الكتب التي أشار اليها محمد حسنين هيكل في كتابه «الزمن الامريكي. من نيويورك الى كابول» ومنها «طالبان: الاسلام والنفط والصراع الكبير في آسيا الوسطى» للكاتب الباكستاني احمد رشيد والذي نشر في لندن في اكثر من طبعة مع مطلع القرن 21، وكتاب «الحروب غير المقدسة: أفغانستان، أمريكا، والارهاب الدولي» للصحافي الامريكي جون كولي، وكتاب «غسيل الواقع» ( White Out)- وكالة المخابرات المركزية الامريكية والمخدرات والصحافة. والمؤلفان هما الكسندر كوكبيرن وجيفري سان كلير.

هذه المصادر تقدم بالوثائق والحقائق الدور الذي قامت به الادارة الامريكية في عهد الرئيس الاسبق رونالد ريجان لمضاعفة انتاج المخدرات في افغانستان من اجل المساهمة في تغطية نفقات الحرب الافغانية وغرس الادمان بين الجنود السوفيات في افغانستان وشراء ذمم وتجنيد عناصر المخابرات في المنطقة. وتقول ان الكسندر دي ميرانش رئيس المخابرات الفرنسية عرف من صديقه وليام كيسي مدير المخابرات المركزية ونائبه فيرنون والترز ان الرئيس ريجان مهموم بأمر توفير نصيب امريكا في عملية «الجهاد الاسلامي» في افغانستان ضد القوات السوفياتية. ولذا فقد بادر مباشرة بطرح تساؤلاته على الرئيس الامريكي:

«السيد الرئيس! هل استطيع ان أسأل ما الذي تفعلونه بالمضبوطات التي تصادرها الوكالة المختصة بتنفيذ قانون مكافحة الادمان او مكتب التحقيقات الفيدرالي او هيئة الجمارك ؟!».

وقال ريجان انه لا يعرف وان اشار الى توقعاته بان يكون المسؤولون يتولون تدميرها تحت الرقابة مما سارع دي ميرانش الى مقاطعته، مشيرا الى خطأ الاستمرار في مثل هذا الاسلوب و ضرورة الاستفادة من المضبوطات!

قال دي ميرانش انه يطرح فكرة تسريب بعضها الى معسكرات القوات السوفياتية في افغانستان بهدف نشر الادمان والقضاء على قدراتها القتالية مثل ما فعل الفيتناميون مع القوات الامريكية. وقالت المصادر ان دي ميرانش اعترف بتوجيه هذه النصيحة التي أودعها مذكراته التي نشرها عام 1992. أما بقية النصيحة فتلخصت في ضرورة تهريب المخدرات الى الاسواق العالمية وبيعها بما يمكن ان يدر الربح الوفير اللازم لتغطية نصيب الولايات المتحدة في عملية «الجهاد الافغاني».

وهكذا بدأت الدوائر الرسمية في تنفيذ مثل هذه المخططات الاجرامية بما جعل انتاج افغانستان من الأفيون الذي كان يقدر بـ2200 ـ 2400 طن سنويا يتضاعف عدة مرات مما كان يعود على افغانستان بما يزيد على ستة مليارات من الدولارات كل عام. وتقول المصادر ان عددا من ضباط مكتب مكافحة المخدرات التابعين للامم المتحدة اضطروا الى الاستقالة من وظائفهم احتجاجا على تدخل ممثلي المخابرات الامريكية والباكستانية في عملهم. ومن الطريف في هذا المجال ما نشره محمد حسنين هيكل حول ان هذه العمليات كانت في حاجة الى بغال ألفت مسالك الجبال واكتسبت مهارات صعودها، حتى ان احد العارفين ذكر ان البغال المصرية لا تصلح لمثل هذا الغرض، وان الانسب الاستعانة بالبغال القبرصية بحكم الطبيعة الجبلية مما كان فرصة جديدة لآخرين لتحقيق الثراء الوفير السريع تحت رعاية الاجهزة المعنية ومباركتها!!

فهل لنا ان نعود الى تساؤلات الثمانينات: لماذا وكيف ولمصلحة من يتزايد ويتضاعف انتاج المخدرات في افغانستان التي تخضع اليوم لاحتلال قوات التحالف التي تقول انها هناك في مهمة مقدسة تستهدف مكافحة الارهاب؟ نشير ايضا الى ان طالبان ورغم كل شرورها ومساوئها، كانت قد اتخذت قرارا بالحد من زراعة المخدرات مما يثير الكثير من الدهشة ويعود ليطرح الجديد من التساؤلات!