أزمة حكم العراق

TT

الوضع السياسي في العراق في غليان، فلقد خرج المارد من القمقم، محبسه خلال 35 سنة، وكل عراقي يريد ان يأخذ نصيبه من الحرية بالشكل والمدى الذي يطمح اليه، ويخشى المخلصون ان تحلّ الفوضى محل الديمقراطية التي يدعو لها الجميع.. ولن يحل الاستقرار في العراق قبل قيام حكومة وطنية تستند الى شرعية شعبية، والمؤسف ان الطريق لتحقيق هذا الهدف مليء بالعثرات، والعقبات، وبالمشاكل والاحباطات. فأطراف المعارضة السبعة أو العشرة يصرون على ان تكون لهم الولاية أو الاولوية في تشكيل الحكومة الانتقالية، يقابلهم 160 حزبا وتنظيما سياسيا، معظمها اعلنت عن نفسها بعد سقوط النظام، وهي تطالب بحصتها في جلد الدب، بعد ان تم اصطياده.. وفي الميدان عراقيو الداخل، وهم الاغلبية، ما زال اكثرهم لا تضمهم احزاب، ولا تنظيمات سياسية. الا ان الجميع يصرحون بأن القول الفصل بالتقييم والتقدير يعود الى صناديق الاقتراع، التي ما زال الطريق اليها طويلا بعيد المنال، فهناك حاكم عام اميركي، قد اربكه تضارب المصالح والنصائح والآراء التي استمع اليها، الامر الذي جعله يغير افكاره وخططه مرة بعد أخرى ثم استقر اخيرا على عدم الاعتراف بشرعية اطراف المعارضة، وكونها لا تمثل الشعب العراقي، وللحق نقول ان تشرذم المعارضة وعدم اتفاقها على نهج موحد كان السبب في هذا الوضع المأساوي، وعلى ما يظهر استقر رأي بريمر على تشكيل «مجلس رئاسي» استشاري من 30 ـ 35 عضوا يختارهم بنفسه، وتشكيل سلطة عراقية تعمل بمشورة اميركية، وقد قوبل هذا الرأي بالرفض من جميع اطراف المعارضة. فهل سوف ينتهي الامر الى مجابهة، وما هو تأثيرها على المسيرة السياسية في العراق التي اصبحت تدور في حلقة مفرغة تستغرق الكثير من الوقت الثمين؟

شرعية السلطة

لا يمكن ان يستقر الحكم في بلد ما لفترة طويلة من دون منغصات أو اضطرابات، ما لم يتمتع بالشرعية المنبثقة من ارادة الشعب. واقتناع الشعب بأحقية السلطة وجدارتها هو موضوع الشرعية ومغزاها، ولن يستمد الحكم شرعيته باستخدامه القوة والقهر والارهاب، بل برضى الشعب، أو غالبيته بالاسلوب الديمقراطي، فالشرعية تتمثل في الانسجام والتماهي بين الحاكم والمحكوم.

والمأزق السياسي في العراق يتمثل في فشل الاطراف المعنية في تشكيل مؤتمر، يمثل، كل أو أغلب التيارات السياسية في العراق، ويكون قاعدة، وممثلا للشرعية العراقية الشعبية تنبثق عنه حكومة عراقية انتقالية ذات سيادة كاملة، كما يكون منطلقا لوضع دستور للعراق، ولاجراء انتخابات برلمانية.

وبدلا من الانفراج الذي كان ينتظره الشعب العراقي خيمت العتمة على مستقبل الحكم في العراق وحل التشاؤم محل التفاؤل، وصار الحديث يدور حول احتلال قد يستمر من ثلاث الى خمس سنوات، الامر الذي لم يحصل حتى في عشرينات القرن الماضي، بعد الاحتلال البريطاني للعراق في الحرب العالمية الاولى.

وكما يبدو، فإن عقدة المأزق السياسي التي لم تستطع الاطراف المعنية ايجاد حل لها، تتمثل في اختلافها على كيفية تشكيل المؤتمر موضوع البحث. وبالنظر للضرورة القصوى في ايجاد شرعية شعبية للحكم في العراق بأسرع وقت ممكن. وبالنظر للصعوبات والتعقيدات التي تتطلبها اجراء الانتخابات البرلمانية التي لا يمكن اجراؤها بدون وجود خلفية شرعية لها ـ فلا بد من حل يحل عقدة المأزق السياسي، وينهي الوضع القلق والخوف من المستقبل الغامض الذي يعيشه الشعب العراقي.

اقتراح بديل

في العراق اليوم اكثر من خمسين نقابة وجمعية ومنظمة واتحاداً تضم عشرات الالوف من النخبة في المجتمع العراقي، والمنتسبون اليها يمثلون جميع اطياف المجتمع العراقي الاثنية والدينية والطائفية والطبقية. فلو استبعدنا من عضويتها كل من كان عونا للنظام المنهار في ارهابه الدموي للشعب العراقي، لأصبحت تلك النقابات والجمعيات والمنظمات والاتحادات خير من يمثل الشعب العراقي، بجميع قومياته وطوائفه احسن تمثيل، وبالتالي يمكن ان تصبح اساسا ومنطلقا للمؤتمر العتيد المؤمل انعقاده بأسرع وقت ممكن.

وفي هذا الصدد يمكن تطبيق الآلية التالية:

ـ تشكل كل من النقابات والجمعيات والمنظمات والاتحادات لجنة تحضيرية تكون مهامها ـ أ ـ وضع النظام الاساسي والنظام الداخلي أو اجراء التعديلات الضرورية عليها. ب ـ قبول الاعضاء الجدد وفقا لمعايير محددة. ج ـ دعوة أعضاء الهيئة العامة لمناقشة النظام الاساسي والنظام الداخلي والموافقة عليهما. د ـ انتخاب الهيئة الادارية.

ـ تقوم كل هيئة ادارية بترشيح عدد (يتم تحديده) من أعضاء النقابة أو الجمعية أو المنظمة أو الاتحاد لعضوية المؤتمر.

ـ يتكون ثلثا اعضاء المؤتمر من مرشحي النقابات والجمعيات والمنظمات والاتحادات، والثلث الأخير يتم ترشيحهم من قبل الاحزاب والتنظيمات السياسية، فإن لم تتفق الاحزاب والتنظيمات السياسية على مرشحيها، فيتم ترشيح الثلث الاخير من قبل مرشحي النقابات والجمعيات والمنظمات والاتحادات.

مهام المؤتمر:

1 ـ اختيار الحكومة الانتقالية وتحديد سلطاتها وصلاحياتها، ويتزامن قيام الحكومة الانتقالية مع تقليص سلطات وصلاحيات (التحالف) والحاكم الاميركي العام. 2 ـ تأليف لجنة لسن الدستور. 3 ـ تأليف لجنة لسن قانون الانتخابات. 4 ـ الاشراف على انتخاب المجلس التأسيسي ويعرض الدستور للمناقشة من قبل المجلس التأسيسي والاستفتاء عليه من قبل الشعب العراقي، وبعد اقرار الدستور يتحول المجلس التأسيسي الى برلمان تنبثق عنه الحكومة الدائمة، وبقيام هذه الحكومة تنتهي سلطات وصلاحيات قوة التحالف كما تنتهي معها سلطات وصلاحيات الحاكم الاميركي العام.

تنفيذ الاقتراح البديل بكامله يجب ان يتم خلال مدة تتراوح من 12 الى 18 شهرا كحد اقصى.

* وزير عراقي سابق