شرفاء الزمن الصعب

TT

لا أعرف لماذا اجد دوما بندا لميثاق شرف كلما اجتمع الادباء والمثقفون او الاعلاميون العرب، ويخطر لي ان اسألهم احيانا من كثرة الحاحهم على ذلك البند: شو الحكاية شباب هل هناك من يشكك بشرفكم حتى تلحوا على هكذا ميثاق بكل هذه الكثافة؟

ويكتمون الجواب لكن المطلعين على حال مهنة الكتابة مسموعة ومنطوقة ومرئية يعرفون ان الشك بمصداقية وشرف هذه المهنة ليس هو الموجود فحسب بل اليقين عينه هو الاساس حين يتعلق الامر ببعض المنابر. أما الشك فمرحلة رفاهية لم يبلغها بعد الادب العربي وثقافته واعلامه. وان تكون في مهنة يحيطها التشكيك من كل جوانبها مسألة ليس مريحة قطعا ومما يصعبها اكثر ان ممارسيها يقومون بالاثبات على طريقة النفي ويضعون دوما العربة امام الحصان فحين يتداعون قياما وقعودا وعلى جنوبهم لميثاق شرف تعرف ان غياب الشرف ليس هو الذي يؤرقهم، انما معرفة الناس بغيابه هي اساس القلق والاستعجال وحين يتداعون لميثاق رسمي لشرف الكلمة لا تستطيع مهما كان تقديرك لحسن نواياهم الا ان تسألهم :هل انتم قادرون على عدم النفاق للمسؤولين والسياسيين وهل انتم قادرون على كشف اخطائهم واستبدادهم وسرقاتهم وتسترهم على اقاربهم ومحاسيبهم ؟

فان اجابوا بنعم كان لميثاق الشرف معنى وان انكروا قدرتهم على اتيان تلك المعجزات التي تحتاج الى جرأة وشجاعة ونزاهة فليس هناك معنى لأي ميثاق.

إن شرف الكلمة قناعة ذاتية وممارسة يومية لا تحتاج الى مواثيق وعهود فالميثاق الحقيقي الاول والاخير هو الذي يبرمه الكاتب بينه وبين ضميره دون مؤتمرات ومهرجانات وشهود ثم تأتي القدرة على تنفيذه وهنا المعركة الحقيقية.

وفي بلاد ليس فيها حرية صحافة ولا نزاهة اعلام يصبح شرف الكاتب زائدة دودية تطالبه المؤسسات والمنابر صراحة وضمنا بأن يتخلص منها والا تخلصت منه.

ولعله من عدم المبالغة القول ان المنابر الاعلامية الحرة في العالم العربي كالغول والعنقاء والخل الوفي اوهام لا وجود لها الا في رؤس قليلي الخبرة والثقافة والمعرفة. فهناك مئات الصحف والاذاعات وعشرات التلفزيونات لكن لكل من هذه المنابر حساباته ومصالحه وهامش حرياته المرسوم بدقة لخدمة تلك المصالح التي تئد كل من يهددها.

لقد تساءل الزميل مأمون فندي مرة عن غياب صحافة البحث والتقصي والتحقيق وذاك سؤال لا يكتمل الا بسؤال آخر: أين المنابر التي تجرؤ على نشر نتائج تحقيقات ذلك النوع الخطير من الصحافة؟

ولا عيب أن تكون للمنبر مصلحة فهذا قدر المهنة وكل المهن غيرها لكن العيب ان تكون تلك المصالح ضد القوانين والاعراف والمشاعر الوطنية والقومية والانسانية.

وبلا طول سيرة فإن الذي يحتاج الى مواثيق شرف المنبر وليس الكاتب والصحيفة وليس الصحافي والاذاعة قبل الاذاعي وهذا ما يسمونه الاصلاح من المنبع لأن المؤسسة المعنية بالشرف والنزاهة والصدق والعدل لا توظف حرامية ومزورين وكذابين واصحاب سوابق.

وبانتظار ان توجد مؤسسات ومنابر بهذا المستوى لا يملك الكاتب غير مراقبة وضمان نزاهته الشخصية وشرفه المهني في حدود تخصصه ومساحته وقدرته على مواجهة التهديد الروتيني بقطع الاعناق والارزاق لاسباب نادرا ما يعرفها.