الجنرال أبي زيد يبدأ مرحلة جديدة في العراق وفي الحرب ضد الإرهاب

TT

تزامن تسلم الجنرال جون ابي زيد رئاسة القيادة الاميركية العامة، بعد تقاعد الجنرال تومي فرانكس، مع اقرار الحاكم الاميركي للعراق بول بريمر بضرورة الاسراع بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي، تكون له مسؤولية التمهيد لتشكيل حكومة عراقية انتقالية ورسم السياسات العامة للبلاد، بدل المجلس السياسي بصلاحيات استشارية. كما يأتي تسلم الجنرال ابي زيد لمسؤولياته العسكرية في الوقت الذي تتزايد فيه الهجمات ضد القوات الاميركية بالذات، اضافة الى التوتر الذي يسود العلاقات الاميركية ـ التركية.

سيلي تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، بعد فترة تشكيل المؤتمر الدستوري (100 الى 200 عضو)، وستكون مهمته وضع مسودة لدستور عراقي جديد تُعرض لاحقا على الاستفتاء. ويعود تأخير تشكيل المؤتمر الدستوري الى مطالبة المراجع الشيعية بضرورة انتخاب اعضائه، في حين ان واشنطن ولندن ترفضان اجراء اي نوع من الانتخابات في هذه المرحلة وهما تجاوزتا في ذلك الفتوى التي اصدرها الاسبوع الماضي آية الله علي السيستاني، وكحل وسط ستوضع صيغة اخرى كاختيار اعضاء المؤتمر الدستوري من بين مجموعة من رجال القانون والسياسيين ورجال الدين ضمن ما يسمى «عملية اختيارية» وليس «عملية انتخابية».

ويقول هوشيار زيباري المسؤول عن السياسة الخارجية في الحزب الديمقراطي الكردستاني ونائب الهيئة السياسية العراقية التي اجتمعت يوم الاثنين الماضي في مدينة صلاح الدين واقرت فكرة مجلس الحكم الانتقالي، ان مهمة المجلس ستكون وضع سياسات عامة كالنظام التربوي، والنظام القضائي، والسياسة النفطية، والاشراف على ميزانية الدولة. ويضيف ان سلطة التحالف شعرت بالحاجة الملحة لتقديم نتائج ملموسة اثر التقصير في مسألة الخدمات العامة والشؤون الاقتصادية، ومع تردي الوضع الامني خصوصا في بغداد.

ان مشكلة بريمر، هي نفسها المشكلة التي واجهت الجنرال جاي غارنر قبله، اي تغيير الاولويات من يوم الى آخر، بعد الاعتقاد بأن سلطة التحالف قادرة على تسيير العراق بمفردها. ويقول زيباري، ان سلطة التحالف طالبت في البدء بفترة زمنية لضبط الامن والنظام وتفعيل البلاد، معتمدة على خطة جامدة، ثم تراكمت الاحداث وتضاعفت العمليات فتوصلت الى قناعة بضرورة مشاركة كل القوى العراقية، وهو يتوقع ان تكون الايام المقبلة حاسمة.

وفي الاسبوع الماضي، لاحظ الضباط الاميركيون ان المقاومة العراقية (السنية) بدأت تستعمل في عملياتها مدافع الهاون حيث تم اطلاق قذائف من هذا النوع ضد مقر قيادة فرقة من الجيش الثالث، وقذائف اخرى اوقعت اصابات بـ18 جنديا اميركيا دفعة واحدة. وفي مقابلة تلفزيونية قال رئيس لجنة الشؤون الامنية في مجلس الشيوخ الاميركي السناتور بات روبرتز، «اذا استطعنا ان نثبت ان صدام حسين قتل او اعتقل مع ولديه، نكون قد قطعنا اشواطا بعيدة، والا، فاننا سنواجه صيفا حارا وطويلا». وبدوره اعترف بول بريمر بان عدم الوضوح بالنسبة الى مصير صدام حسين، يعيق اي محاولة لتهدئة الاوضاع في العراق، غير ان الجنرال ريتشارد مايرز رئيس الاركان الاميركي قال في بيانه في نهاية الاسبوع، ان هناك عناصر مقاتلة اخرى دخلت العراق، وحسب مصدر بريطاني فانه يقصد عناصر جاءت من ايران وسورية ومقاتلين من انصار الاسلام اضافة الى بعض المجرمين العراقيين.

الآن من المتوقع، مع تسلم الجنرال ابي زيد، البدء بوصول قوات دولية لتشارك في مسؤولية اعادة الاستقرار الى وسط العراق وسيصل حجمها الى 9200 جندي من بولونيا واسبانيا واوكرانيا.

وكي لا تزيد من عدد الاعداء، عالجت واشنطن ازمة عسكرية كادت تنشأ بينها وبين تركيا واطلقت سراح 11 عنصرا من القوات الخاصة اعتقلتهم في شمال العراق (السليمانية).

وحسب مصدر غربي مطلع، فقد اتهمت القوات الاميركية الجنود الاتراك بانهم كانوا يخططون لاغتيال محافظ كركوك المؤقت الجديد عبد الرحمن مصطفى، وهو كردي مستقل، وكان حصل على تأييد كل الاطراف في شمال العراق، غير ان تركيا حذرت من ان المحافظ الجديد يهدد مصالح التركمان في المدينة!

وحسب المصدر، فقد وصلت الاميركيين معلومات امنية دقيقة عن العملية، فألقوا القبض على الجنود المكلفين، وليست هذه هي المحاولة الاولى، بل قد تكون الرابعة. في السابق كانت الامور تعالج بشكل هادئ وسري، لكن العملية الاخيرة، كما يبدو، كانت خطيرة وتهدد امن واستقرار كركوك، لذلك كان رد الفعل الاميركي قويا الى درجة ان رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان اعلن عنها واجرى اتصالات مع نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ووزير الخارجية كولن باول.

ويقول المصدر الغربي، ان المناطق الشمالية هي الاكثر استقرارا في العراق ولا يتحمل الاميركيون اي توتر فيها، ويبدي الاكراد تعاونا كبيرا مع الاميركيين في المحافظة على الاستقرار وهذا يثير قلق انقرة التي ترى انها على وشك خسارة كركوك وثروتها النفطية، ولذلك تريد خلط الاوراق.

وكان البرلمان الكردستاني الموحد طالب في شهر ايار (مايو) الماضي بخروج قوات مراقبة السلام، التي كانت دخلت الى كردستان عام 1994 بعد اشتداد المعارك بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، لكن هذه القوات رفضت الخروج وحافظت على موقعها في اربيل، وهناك قوات تركية اخرى (1500 جندي) منتشرة في عدة نقاط وهي من بقايا الدخول التركي العسكري السابق لملاحقة عناصر حزب العمال الكردي. وفي حين لا تتدخل هذه القوات بالشؤون الداخلية في كردستان، فان قوات مراقبة السلام، عكس ذلك، وتقوم ايضا بتدريب الجبهة التركمانية، ومتهمة بانها وراء الكثير من القلاقل التي تقع في المدن الشمالية الرئيسية.

وحسب المصدر الغربي، فان الحادثة الاخيرة خطيرة جدا لانها تؤكد تدخلات دول مجاورة اخرى في الشأن العراقي، «فاذا كانت تركيا، الدولة الحليفة لاميركا والدولة الديمقراطية ،تعتمد هذه الاساليب، فماذا اذن عن الدول الاخرى؟»، ويشير الى وجود مقاتلين عرب من خارج العراق وعدد من السلفيين ايضا، وكل هؤلاء مع بقايا حزب البعث واجهزته يشنون العمليات، ويؤكد المصدر على ضرورة الاسراع بتشكيل جيش عراقي وقوات امنية عراقية.

التوجه الآن من قبل سلطة التحالف الى تشكيل فرقة عسكرية عراقية هذه السنة، وفرقتين العام المقبل على ان لا يتجاوز عدد الجيش لاحقا المائة الف جندي. ويقول هوشيار زيباري، ان الاكراد سيشاركون في الجيش العراقي الجديد. اما عن البيشمركة، فسيتم ضم عدد منها الى الجيش الوطني، على ان يصبح القسم الباقي منها قوات امن داخلي في الشمال، وتجري المفاوضات حاليا مع سلطة التحالف على دور قوى الامن الكردية الجديد. ويؤكد زيباري، ان الاكراد متمسكون بطرح الفيدرالية للعراق، وسوف يتقرر هذا الموضوع في المؤتمر الدستوري الذي سيعقد قبل نهاية هذا العام.

وسط هذه التجاذبات الكثيرة والخطيرة، يتسلم الجنرال ابي زيد مهماته التي لا بد ان تكون بداية لمرحلة جديدة في العراق وفي الحرب ضد الارهاب. ويقول مصدر اميركي، انه لمواصلة الحرب وبنجاح ضد الارهاب لا بد من السيطرة الفعالة على العمليات التي تشن ضد القوات الاميركية في العراق. ويضيف، من المؤكد ان هذه العمليات في العراق لا تمثل خطرا استراتيجيا على الولايات المتحدة، لكن رؤية الجيش الاميركي يتكبد الخسائر يوميا وغير قادر على شل او القضاء على هؤلاء المقاتلين تزعزع التصور الذي ارادت ان تنشره الولايات المتحدة من جراء هذه الحرب، واذا عجزت القوات الاميركية عن القضاء «على بقايا نظام صدام حسين»، كما يقول المسؤولون الاميركيون، فان الارهابيين سيرون في العراق الساحة الجديدة التي «ستوفر لهم الكثير من الاهداف البشرية الاميركية»، وهذا حسب محدثي الاميركي، سيؤخر جعل العراق دولة الديمقراطية والحرية والازدهار!