واشنطن تحفر خنادق في الفضاء

TT

بدا كلام فلاديمير بوتين، قبل أيام، مضحكا تماما. فخطر الكارثة الصاروخية النووية لم ينخفض إلى الصفر كما يقول، بل تجاوز كل التوقعات وحتى الأكثر سوادًا منها.

ربما كان الزعيم الروسي يتحدث عن انتهاء حقبة «توازن الرعب النووي»، لكن تصريحات دونالد رامسفيلد من جهة ثانية، والمعلومات التي نشرتها صحيفة «الغارديان» بداية هذا الشهر نقلاً عن مصادر «البنتاغون»، تؤكد أن خطر الكارثة الصاروخية يزداد وبسرعة كبيرة.

فها هي الادارة الأميركية تضع الترجمات المثيرة للخوف في سياق الآليات التدميرية لاستراتيجيا «الضربة الاستباقية»، التي أعلن عنها جورج بوش.

يتذكر الجميع أن بوش بدأ عهده بالحديث عن «الدرع الصاروخية»، التي أثارت جدالاً دوليا عنيفا. بعد مرور 11 أيلول/سبتمبر تغيرت الأهداف والخطط. إنهم يتحدثون الآن عن «الانقضاض الصاروخي»، لا بل أن جزءاً أساسياً من موازنة الدفاع الأميركية، التي تتجاوز 400 مليار دولار، يُنفق على بلورة التقنيات العسكرية التي تضمن جعل العالم في متناول القبضة الصاروخية المدمرة والسريعة التي تملكها أميركا.

إدارة الصقور في واشنطن غيّرت جذريا فلسفة علاقة أميركا بالعالم. لم تعد نظرية الاحتواء تعني شيئا، إن الردع الاستباقي هو النظرية الجديدة. لكن وسائل الردع، بعد تجربتي أفغانستان والعراق، لم تعد تحقق الأهداف أو تتجاوب مع طموحات المخططين في البنتاغون.

ثمة حاجة إلى إدارة العالم عسكريا بطريقة «الريموت كونترول». فواشنطن لن تطيق صبرا، في المستقبل، لإقناع الحلفاء وارسال الجيوش ونقل القنابل وتحريك حاملات الطائرات. إذاً يجب أن يكون الفضاء نقطة الانطلاق الأساسية لإخضاع الدول والقوى. نحن لا نقصد هنا كلام رامسفيلد، الذي كشف خططا أميركية لانتاج قنابل نووية تكتيكية صغيرة تتناسب مع آليات الحرب ضد الارهاب، لكننا نتحدث عن الاستراتيجيا الجديدة التي تشكل هذه القنابل احدى أسلحتها المروعة.

إن نظام «فالكون» هو عنوان المشروع الذي يقوم على نظرية عسكرة الفضاء. وعسكرة الفضاء تعني أن البنتاغون يخطط لنقل القنابل والصواريخ ووضعها في مدارات فضائية، بحيث يمكن إسقاطها على الأعداء بسرعة متناهية. ويتضمن النظام المذكور تصنيع طائرات بدون طيار تبلغ سرعتها 10 أضعاف سرعة الصوت، أي أنها تستطيع ضرب أهداف على بعد تسعة آلاف ميل في خلال ساعتين، ووضع قواعد فضائية تستطيع إسقاط قنابل من الفضاء بكبسة زر.

إن الهدف من نظام «فالكون» هو الوصول إلى «القوة المطلقة» في حدود سنة 2025، من دون الحاجة إلى إنشاء القواعد في الدول الأخرى، أو الاعتماد على حلفاء اقليميين.

بدوره بدا السناتور إدوارد كنيدي مضحكا ايضا، عندما ردّ على رامسفيلد بالقول «ان خطط إنتاج قنابل نووية تكتيكية يقوّض فلسفة الحدّ من التسلّح النووي الذي فاوضنا عليه كل حياتنا». وهو مضحك بالفعل، عندما نتذكر أن صقور الإدارة الأميركية لا يخططون لعسكرة الفضاء فحسب، بل يعكفون على حفر الخنادق فيه، ربما لجعل العالم مزرعة كبيرة للأغنام والأبقار لا تحتاج إلى رعاة يمتشقون المسدسات، لأنها تُدار بالريموت كونترول عبر الأقمار الاصطناعية.