لاتأخذني مثالاً من فضلك

TT

في زاويته اليومية، كتب محيي الدين اللاذقاني، (السبت 2003/7/12)، كلمة تحت عنوان «الفريضة الفكرية الغائبة»، متسائلاً في بدايتها: «هل نمتلك القدرة على نقد الذات وعلى نقد ثقافتنا من داخلها؟»، لكي يصل الى اجابته بنفي هذه «القدرة». هو حر، لكنه قال، للتدليل على صحة وجهة نظره، «خذ صافي ناز كاظم مثالاً لا حصراً..... وقارن موقفها حين كانت يسارية وزوجة لشاعر يساري، مع مواقفها حين تحجبت وتيمنت، وسوف تدهش لأنك بالكاد تلاحظ الفرق في الطروحات والأسلوب، مع أن التغيير الذي طرأ عليها ليس سطحياً ولا سهلاً، وذلك حسب تقديري، لأنها انتقلت من معسكر إلى آخر دون المرور بعملية نقد ذاتي جذرية ومشعة تمس الجوهر الاصلي...».

وسوف أجنب دهشتي أنا من قدرة اللاذقاني على تلخيصي بكل هذه الأخطاء، ذلك لأنه تكلم بما لا يعلم، وحكم بما لا يعرف، ويحسبه هيناً وهو جد خطير.

سأدخل فوراً في التصحيح:

1 ـ أرفض التقسيم المستهلك، «يسار ويمين» المنقول من حكاية في البرلمان الفرنسي لا علاقة لنا بها، ولا أقبل أن أدخل ضمن تصنيفاتها.

2 ـ لم أكن يسارية في يوم من الأيام، وقد كررت ذلك مراراً حتى بح صوتي، وهذه تهمة تعني الماركسية أحياناً، ألصقتها بي أجهزة الأمن في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، بتوصية وتوجيه من الراحل يوسف السباعي، الذي حاول بهذه الفرية أن يبرر منعه لي من النشر، حين جاء رئيساً لمجلس ادارة دار الهلال ورئيساً لتحرير مجلة «المصور» (أغسطس )1971. ولهذا الأمر تفصيلات كثيرة كتبتها من قبل وليس هذا مجال تكرارها الآن، والخلاصة أنه تم اعتقالي في يناير 1973، ويناير 1975، وسبتمبر 1981، تحت لافتة «تكوين وتأسيس تنظيم شيوعي... إلخ.. إلخ...إلخ»، وكل هذه القضايا، حصر أمن دولة، تم حفظها لأنها كانت افتراء وكذباً وبهتاناً، وكان مأمور المعتقل والمشرفات على المعتقلات يتعجبون من رؤيتي بزيي الشرعي الاسلامي وصلاتي وصيامي، بينما كان المفترض في ملفاتهم أنني «ماركسية، شيوعية، مؤسسة لتنظيمات يسارية..».

أما زواجي من الشاعر أحمد فؤاد نجم في 24/8/1972، فكان بمثابة عملية استشهادية نفذتها بناء على طلب ملح منه، يؤكد لي أنه لا يمثل سوى النبض الشعبي، وأنه بعيد عن دائرة التقسيمات السهلة التي يحب بعض المثقفين أن يلبخوا بها أدمغتنا، وهذا يقوض ما افترضه اللاذقاني بقوله «... كانت يسارية وزوجة لشاعر يساري..» وقد تم طلاقي البائن من الشاعر في يوليو 1976، أي منذ 27 سنة كاملة. وانتفاء صحة هذا الافتراض من جانب اللاذقاني، يفسر لماذا لم يلاحظ «الفرق في الطروحات والأسلوب» في مواقفي على مسيرة حياتي.

3 ـ لم تعجبني بالمرة، بل إنني تأذيت حقا من عبارتك القائلة «... تحجبت وتيمنت...»، لماذا هذا الغرام بالنغز واللمز والاستعلاء، ولو كان على سبيل المزاح الثقيل؟

أنا مسلمة ولدت عام 1937، في جيل الثلاثينيات، الذي نزلت عليه لطمات التغريب، فارتدينا كلنا، إلا من رحم ربي، الزي المخالف للأمر القرآني: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن»، ولم نكن ندري أننا مخالفات، وأننا نُسرق تدريجياً من أرضيتنا الاسلامية، رغم أن معظمنا كان يصلي ويصوم ويعبد الحي القيوم. وحين ذهبت لأداء فريضة الحج في يناير 1972 قرأت كثيراً، استعداداً للفريضة، وتنبهت الى واقع النفاق الذي يجعلني مسلمة قلباً ومتغربة ظاهراً ومظهراً، وهنا وقفت للنقد الذاتي، الذي تعتقد أننا لا نمارسه وليست لدينا القدرة عليه، وفي طائرة العودة جاءت جلستي الى جوار شيخ جزائري فاضل لا أعرفه فسألته : «هل يجوز بعد ملابس الإحرام هذه أن أعود إلى ملابسي العادية؟». فقال بهدوء واقتضاب: «ما تلبسينه الآن هو ملابسك العادية». وفهمت توجيهه على الفور لأنني كنت استشعره في قلبي، فالتزمت بالزي الشرعي الذي هو «الخمار»، وليس اسمه «التحجب»، لأن «الحجاب» هو غطاء الوجه والشعر والجسم بالكامل. لقد «تكاملت» في «معسكري» الاسلامي الايماني ولم «أنتقل» كما تصورت من «معسكر» إلى «آخر» ـ وعلى فكرة مصطلح «معسكر» هنا غير دقيق لكن أنت حر - وهكذا، فلا أنا كنت يسارية، ولا أنا صرت يمينية ـ حاشا لله من الوصمتين ! ـ وهذا تفسيري لكيف بقيت من دون تغيير على عهد «الجوهر الأًصلي» لعقيدتي، التي أسأل الله أن يثبتني عليها، لأسير على هدى دينه الحق وأستقيم بمواقفي كما أمرني الله سبحانه، على الصراط.