لماذا الخوف من صحيفة الرياض؟

TT

الرياض، صحيفة سعودية عريقة معروفة اعتزمت هذا الصيف ان تخدم قراءها في لبنان في موسم السياحة فطلبت ترخيصا بالطباعة المؤقتة لثلاثة اشهر. في البداية جاءتها الاجابة بنعم ثم تتالت اللاءات من وسط اهل المهنة في عالم النشر.

لديهم مخاوف من ان تأكل «الرياض» شيئا من حصتهم في البيع، او هكذا فهمت. وان فتح الكوة لـ«الرياض» السعودية سيفتح الباب على مصراعيه للصحف السعودية الاخرى والكويتية والاماراتية والمصرية وغيرها، وهذا يقلقهم ان يخنق الغزو الورقي سوق المطبوعات المحلية، خاصة ان صناعة النشر في لبنان قديمة وراسخة مثل اعمدة بعلبك.

فهل هذا تصور صحيح؟

اجزم بلا. نحن في زمن فيه «حرامية» يسرقون بلا ترخيص. هذا زمن التقنية الحديثة والاتصالات الدولية السريعة والرخيصة التي تأخذ من سوق المطبوعات دون الحاجة الى إذن نقابة او وزارة. انظروا اليها في غرف نومكم وصالوناتكم ومقاهيكم، التلفزيون الفضائي ومواقع الانترنت. اما الصحف المطبوعة، فمهما كانت جنسيتها، لن تغر قارئا من جمهور الصحف المحلية مهما حاولت. وادعي ذلك عن معرفة طويلة في عالم النشر المتعدد المحطات الذي لم يقضم شيئا من اي سوق محلية. على العكس كان دائما مصدر تنشيط وازدهار لمهنة الصحافة وصناعاتها.

ان طباعة «الرياض» او «الخليج» او «القبس» او غيرها من الصحف العربية غير المحلية لن تسرق قارئا واحدا من صحف لبنان، او أي سوق محلية عربية اخرى مماثلة. فالثابت ان السواح العرب قلما شوهدوا يمسكون بالصحف المحلية في غير دولهم. واذا جاز لنا تقدير ضحايا السماح لـ«الرياض» ومثيلاتها بالطباعة في السوق اللبنانية فان صحفا عامة مثل صحيفتنا هذه، «الشرق الأوسط» هي التي قد تدفع الثمن. مع هذا فانني لا أحمل نفس المخاوف التي تقلق بعض الناشرين اللبنانيين، لأن الاضرار محدودة، وسياسة فتح السوق هي لصالح القارئ والمهنة في نهاية المطاف. أيضا لقد تغير العالم فسوق المعلومات لم تعد كما كانت في الماضي جزءا من السيادة، وجزءا من الامن القومي، وجزءا من الاقتصاد الوطني. لم يعد لجريدتنا، ومن مثلها، فرصة احتكار السوق العربية العريضة بظهور التلفزيون الفضائي. ولم يعد للصحف المحلية ان تخاف المطبوعات العربية الاجنبية بظهور المواقع الالكترونية التي تمثل التهديد الحقيقي.

بل اعتقد ان الزملاء في عالم النشر في لبنان يخطئون عندما يغلقون الباب امام صحيفة محترمة، لم يعرف عنها منهج الاساءات او الرخص الصحفي قط، فقط لانها ليست لبنانية، في حين ان فتح الباب سيدعم صناعات النشر المرتبطة مثل المطابع والورق والتوزيع على المزيد من الانتعاش. ففي بيروت نحو خمس مطابع كبيرة تخدم اليوم 14 صحيفة يومية محلية وقادرة على خدمة اكثر من ذلك. ولا بد ان الناشرين يعرفون من تجربة الخمس السنوات الماضية ان السياح العرب، مهما كانت جنسياتهم، قلما اثروا سلبا او ايجابا على الصحافة المحلية وعليهم مراجعة ارقام صيف السنوات الماضية، اذا لماذا الرفض؟ وهذا ينطبق على الاسواق العربية الاخرى ايضا.

اتذكر انه طرح في السعودية سؤال مماثل قبل فترة وجيزة حول السماح بطباعة المجلات والصحف العربية، وكان رأيي انه قرار جيد لو اعتمد، طالما ان المطبوعات المقترحة مؤسساتية وليست من صف صحافة الابتزاز. طباعة هذه الصحف لن تؤثر على السوق المحلية الا بقليل القليل، وعندما تطبع محليا ستنعش سوق الطباعة المكلف، وسينعكس ذلك ايجابا على دور النشر المحلية. بالنسبة لبيروت، لماذا الخوف من الصحف الأخرى في بلد يفاخر بحرياته ومهنيته وقدرته على المنافسة؟ ماذا سيكون حالها وعمان ودمشق تفتح ابواب مطابعها؟