بين «القاعدة» والكونغرس

TT

قبل اقل من اسبوع من صدور تقرير الكونغرس الاميركي عن تحديد المسؤوليات في هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضبطت في السعودية مخابئ عديدة لتنظيم ارهابي يجزم بانه مرتبط بتنظيم «القاعدة» او يسير على نهجها، كافية ذخيرته، لو لم تكتشف، لتنفيذ اعظم مؤامرات «القاعدة».

وهنا لابد ان نسأل عن سبب اصرار البعض في الكونغرس على وجود علاقة للسعودية بما حدث في تلك الهجمات قبل عامين في حين انها نفسها هدف دائم للتنظيم.

كأي لجنة لابد ان تبحث في التهم وتذيع اسماء المتهمين، فكان ان اختارت اللجنة الاستخباراتية في الكونغرس ان توجه اصابعها الى السعودية وفي الوقت نفسه تخلص انه لم يكن هناك ما يكفي من معلومات كان يمكن ان يقود الى منع تلك الاحداث التي تعتبر اخطر الهجمات التي تعرضت لها بلادهم منذ الحرب العالمية الثانية. رغم ذلك، لم تجد اللجنة اسانيد كافية حتى تعلن للشعب الاميركي عن الكشف عن مؤامرة وراء «القاعدة» فاكتفت بالحديث عن تورط سعودي في ما حدث.

انها اكثر التهم سخفا توجه ضد واحدة من اكثر الدول صداقة للولايات المتحدة، في وقت توضح كل المعلومات التي وضعت امام اللجنة ان السعودية نفسها استهدفت عمليا في الرياض قبل نحو ثلاث سنوات من احداث نيويورك وواشنطن. وكانت هناك حرب هادئة ضد التنظيم، حيث قبض على بعض افراده في السعودية والمتعاونين معه وحكم بالسجن على احد «مشائخ» التنظيم بعد ان ثبت انه افتى لعناصره بجواز التفجير والقتل. كل ذلك حدث قبل هجمات نيويورك وواشنطن.

اختارت اللجنة الاستخباراتية ان تبرئ حكومتها وتلصق التهمة بالآخرين مع انه كان بحوزة الاميركيين من المعلومات عن «القاعدة» اكثر مما كان لدى السعوديين انفسهم. فالنشاط الادبي والفكري والتحويلات المالية وتنفيذ التفجيرات الاولية وما سبقها من انشاء خلايا وقبله تجنيد عناصر حدثت ايضا في الولايات المتحدة.

ان خطأ السعودية هو خطأ الولايات المتحدة، في سهولة العمل، والتنقل بحرية، وجمع الاموال، وتحويلها. فالسعودية ليست بلدا مثل بعض دول المنطقة الأخرى، التي تمنع مواطنيها من السفر الا بإذن خاص، وتحرم جمع الاموال للتبرعات الا للمؤسسات الحكومية، وتحظر على الافراد والمؤسسات تحويل الاموال للخارج، اضافة الى مشكلة الحدود الطويلة لبلد في مساحة ثلثي اوروبا التي يستحيل رصدها تماما.

لا ننسى ان تلك الهجمات المروعة وقعت بعد سلسلة احداث عديدة، مع هذا لم تدخل حتى الشك في عقل اجهزة الاستخبارات الاميركية المتعددة، بداية منذ عام 93 عندما فجر مرآب في نفس مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك، ثم اعقبته احداث عديدة كشفت عن وجود تنظيم حقيقي يطور امكانياته بسرعة ويحسن مهارات افراده في اختيار وترصد وتنفيذ عمليات معقدة جدا، مثل تفجير بارجة كول الاميركية في عدن، وسفارتي الولايات المتحدة في افريقيا. كل هذه الاحداث لم تدفع جهازا امنيا اميركيا واحدا للاستنفار الداخلي.

لذا كان هناك فشل داخلي ولم تجد لجنة الكونغرس من تتهمه سوى دولة خارجية بعد ان عجزت عن لوم احد من كبار موظفي حكومتها او جهاز من اجهزتها بشكل صريح. الصحيح الذي سعت اللجنة الى عدم الاعتراف به ايضا ان «القاعدة» تنظيم متطور جدا، وفي غاية السرية، استفاد من كرم وسذاجة السعوديين، وحرية الاراضي الاميركية، ومن شباب الاسلام الذي كان يبحث عن أي حرب لتنفيس احباطاته، دون وعي لخطورة ما كان يفعله.