و.. الحلم العربي

TT

التقيت واحدا من اشهر صحافيي اميركا خلال السنوات الاربعين الماضية. ودار الحديث طبعا حول اميركا والعرب. واميركا واسرائيل. واميركا واميركا. وقلت له ان العرب يطلبون من الاميركيين الحياد والموضوعية في نزاعهم مع اسرائيل. وهذا مستحيل. لان الاسرائيليين امتداد لاميركا والغرب. واميركا تجهل العرب، ولذلك تطلب منهم ان يكونوا جزءا من الغرب.

وعندما اخفقت في ذلك جاءت بنفسها اليهم. وخلال ثلاثة اشهر غيرت «حاكم» العراق ثلاث مرات. وهو امر لا يمكن ان يحدث في تكساس او في اركنساو.

وقلت له ان اميركا تعتقد ان القوة هي الحل. ولذلك استبدلت اعتى نظام عربي بطوابير الدبابات وهي تردد اناشيد الديموقراطية. وامضت 50 عاما «تحاول» حلا في الشرق الأوسط من دون اي نجاح. وهي الآن تريد ان تفرض حلا في العراق قبل ان تنجز مجرد هدنة في فلسطين. لانه ليس في اميركا سياسات بعيدة المدى الا في ما يتعلق بأمن اسرائيل وبدورها في سياسات اميركا الداخلية. كل شيء آخر قابل للتغير والتحول والتجربة. لقد كان اسامة بن لادن من اقرب واوثق حلفائها. وكذلك كان صدام حسين. ولكنها افاقت لكي «تفاجأ» بطبيعة الحليفين اللذين بنت على العلاقة معهما مشاريع موقتة ومحدودة ولم تدرك انهما سيطالبان بحصة من الشراكة. وبارباح على الاسهم.

وذكرت للرجل ان ثمة سوء فهم تاريخياً وعضوياً ولا حل له. فاسرائيل لا تزال تفكر وتتصرف كضحية خاسرة مع انها (من ضمن اميركا) اصبحت امبراطورية سياسية في العالم. والعرب لا يزالون يتصرفون كامبراطورية مع انهم اصبحوا ضحية خاسرة، فقدوا فلسطين، واراضيهم في الاحتلال، وقرارهم السياسي مفقود، ويمكن بالقوة العسكرية جعل حاكم اجنبي عليهم مكان رجل حكم بأسوأ وسائل الاستبداد.

وقلت له، ما هو المعروض على هذه الامبراطورية الآن؟ ان اكثر العروض سخاء، هو ان نسلم امورنا الى الامم المتحدة. وقد اقترح سفير اميركا السابق في اسرائيل ان تسلم الامور في فلسطين لادارة دولية، فشعر بعض الفلسطينيين الصادقين بالارتياح. ياريت. تصور ان يبقى الخيار الآخر، شارون. والمستوطنات. والمستوطنون والحصار. وجنين. وهذه المشاهد اليومية، التي يظنها الناس صورا من الارشيف.

وحاولت ان اعرف رأيه في الامر. وقال لي انه عمل في الفيتنام. وهناك شاهد شيئا يدعى الارض المحروقة. وقال ان القوات الاميركية كانت اذا اخفقت في السيطرة على منطقة ما، واستحال عليها تطويعها، عمدت الى تحذير اهلها جميعا من البقاء هناك. ثم احرقتها. وقال انه يخشى ان تتوسع سياسة الحرائق في المنطقة. وان تتنقل. ومن اجل الهاء الناس عن الاخفاق في مكان يصار الى اشعال حريق آخر.

وعاد يسأل ما هو الحل؟

وقلت انه في رأيي، ليس هناك من حل. والسبب ان اميركا، وهي الحقيقة الثابتة الوحيدة في ميزان القوى الدولي، منذ اكثر من قرن، ترفض ان تكون لها سياسة ثابتة واهداف واضحة في الشرق الاوسط. منذ ايزنهاور الى اليوم، كل رئيس يعامل المنطقة على طريقته. ولم يتقدم اي رئيس حتى الآن الى فرض تنفيذ القرارات الدولية التي وقعت عليها اميركا وكانت وراء صياغتها. قد مر هذا العالم مرتين في خطر الدمار الكلي: المرة الاولى، خوفا على اميركا في ازمة كوبا. والمرة الثانية في حرب 1973، خوفا على اسرائيل. اما فيما يخص العالم العربي فقد اصبح على قناعة بأن افضل ما يمكن ان يحلم به، فهو العودة الى عصر الوصاية الدولية.