صندوقك الأسود!

TT

الإنسان في سعيه اليومي الدؤوب على الأرض من أجل تحقيق طموحاته التي قد لا يتحقق الكثير منها، لا يمكن لأحد حتى القريبين منه أن يعلم عنه كل شيء، وكأن الإنسان شأنه شأن الطائرة السابحة في الفضاء لديه صندوق أسود لا يمكن الوصول إليه وفتحه لمعرفة ما بداخله إلا إذا وقعت له حادثة بشكل أو بآخر.

هذا بالفعل ما حدث للمهرج «كوزمو» الذي لم يكن أحد يعلم عن حياته أي شيء، وعندما وقعت الواقعة وفارق الحياة نتيجة تعرضه لحادث قتل، بدأ البحث والتحري عما بداخل صندوقه الأسود في قاعة المحكمة التي شهدت الكثير من الأسرار التي تخص القتيل. كما أطلع الحاضرون الفضوليون في جلسات المحاكمة على شبكة علاقات كانت تربط المهرج بالعديد من أفراد المجتمع المحيط به.

صدرت في باريس منذ حوالي أسبوعين أحدث رواية للكاتبة الكندية الأصل نانسي هيوستن بعنوان «هيام»، وبرغم اسم الرواية الذي يعد قارئها بأجواء رومانسية حالمة، إلا أنها تعد رواية بوليسية من الدرجة الأولى مزجتها الكاتبة ببعض الخيال الرومانسي. تبدأ أحداث الرواية بالاشتباه في سبعة أشخاص بقتل كوزمو المهرج، وهؤلاء المشتبه فيهم هم «اليكا» النادلة بالبار التي كانت على علاقة به وأولادها «فيونا» و«فرانك» اللذان كانا يحملان في قلبيهما ضغينة له، وأيضا جوزيت ووالدته، والمشتبه فيه الأول ووالدته لطيفة وعشيقته ساندرين التي تعمل ممرضة.

يتم التحقيق مع المشتبه فيهم جميعاً الواحد بعد الآخر، وخلال سير التحقيقات والمحاكمة التي امتدت على مدار 13 يوماً لاكتشاف طبيعة علاقة كل شخص مع القتيل، تلقي المؤلفة الضوء على متعلقات كوزمو الشخصية بدءاً بملابسه التي تشي باهتمامه وانتهاء برغيف الخبز الذي اشتراه قبل مقتله بدقائق. وتتوالى أحداث الرواية مصحوبة بمونولوجات داخلية يتسم أسلوبها بالرهافة والدقة والعاطفة.

هل هناك عدالة مطلقة؟ .. يشيع هذا التساؤل في ثنايا النسيج الروائي الذي يكشف من خلال لحظة الاعتراف عند كل شخصية عن حقيقة الانسان العارية وعن المشاعر السلبية التي تنتاب الانسان في خضم الحياة وتجعله يقدم على فعل الخيانة والكذب والكراهية في الوقت نفسه الذي لا تخلو فيه قلوب الأشرار لحظات صدق وحب.

حصلت الكاتبة نانسي هيوستن على جوائز أدبية عديدة عن بعض مؤلفاتها مثل جائزة «جونكور» الفرنسية عن روايتها «أدوات الظلمات».