أوبك: عين على الحاضر وأخرى على المستقبل

TT

يبدو اجتماع اليوم الخميس الذي تعقده منظمة الاقطار المصدرة للنفط (أوبك) روتينيا وبعيدا عن اتخاذ أي قرار فيما يتعلق بجانبي الانتاج والأسعار وذلك بسبب الاستقرار النسبي الذي تعيشه السوق لدرجة ان البعض تساءل عن الجدوى من انعقاده.

فمنذ مطلع العام والأسعار تتراوح في اطار النطاق الذي حددته أوبك وهو بين 22 الى 28 دولارا للبرميل، ومع الغموض الذي لازم العديد من العوامل مثل امدادات النفط العراقي، وضع الاقتصاد الأمريكي والعالمي عموما، الا ان الدول المنتجة وجدت السوق مواتية للاستمرار في الانتاج بمعدلاتها المرتفعة، ولم يفرض عليها بعد اللجوء الى الخيار المؤلم بخفض الانتاج دعما للاسعار.

ورغم الاحساس بالراحة الذي يلف المنتجين والسوق عموما، الا ان هناك بعض الملاحظات التي يستحسن وضعها في الاعتبار لاحتمال تأثيراتها المستقبلية.

أولها ان الوضع العام للسوق من ناحيتي الامدادات والأسعار مرشح للحفاظ على معدله الراهن لفترة الأشهر الخمسة المقبلة وحتى نهاية العام على أقل تقدير. فهناك التغيرات الموسمية الرئيسية حيث يزيد الطلب استعدادا لموسم الشتاء وتوفير امدادات من وقود التدفئة، اضافة الى تقلص وضع المخزونات في الدول الصناعية الكبرى. هذا الى جانب وضع الانتاج العراقي. فآخر التقديرات المتاحة من خبراء أمريكيين رسميين مثل سلاح الهندسة وشركات مستقلة الى جانب تقديرات الفنيين العراقيين تشير الى ان معدل الانتاج الحالي وهو مليون برميل يوميا يمكن ان يرتفع بزيادة نصف مليون برميل آخر بعد ثلاثة أشهر وليصل الى مليوني برميل بنهاية العام ثم الى 2.8 مليون في نيسان (ابريل) المقبل، لكن ذلك مشروط بتوفر الأمن، الأمداد الكهربائي والتمويل اللازم. ومن المعروف ان انتاج العراق بلغ 2.3 مليون برميل يوميا قبل الحرب.

ثانيها ان هذه الصورة العامة تخفي اختلافا في التفاصيل خاصة لجهة الانتاج ووضع كل دولة عضو في أوبك. ففي الوقت الذي تقدر فيه وكالة الطاقة الدولية ان الدول الاعضاء في المنظمة العشرة، عدا العراق، تمكنوا الشهر الماضي من خفض انتاجهم بنحو 800 ألف برميل يوميا ليتراجع اجمالي انتاجهم عن السقف الذي حددوه لأنفسهم بحوالي 125 الف برميل يوميا، فان مصادر أخرى مستقلة مثل النشرات النفطية المتخصصة، ترجح ان معدل تراجع انتاج الدول العشر كان في حدود 520 ألف برميل يوميا فقط، الأمر الذي يجعل انتاجها الكلي أكثر من السقف المحدد بنحو 470 ألفا.

ومع ان هذه مشكلة مزمنة تتعلق بالأرقام الخاصة بالانتاج، الا ان هناك بعدا آخر يتمثل في معدل انتاج الدول وذلك لتأثيره على الامداد العام. فالتقديرات السائدة تشير الى تراجع انتاج خمس دول الشهر الماضي على رأسها السعودية، ثم فنزويلا، ليبيا، قطر والكويت. فنزويلا وحدها التي تستلفت النظر كون تراجع انتاجها يأتي بعد استعادتها لمعدلاتها السابقة اثر الاضراب الشهير، الأمر الذي يشير الى بعض الصعوبات الفنية ومن ثم يثير تساؤلات عن حجم هذه المتاعب وامكانية استمرارها.

من الجانب الآخر برزت ايران صاحبة أكبر نمو في انتاجها الشهر الماضي مع زيادة نشطة في حجم الصادرات، اذ بلغ انتاج فوهة البئر حوالي 3.6 مليون برميل يوميا يصدر منها 2.6 مليون.

وليس واضحا الى أي مدى ستؤثر هذه الأوضاع على حالة الاستقرار النسبي التي تعيشها السوق في الوضع الراهن أو حتى نهاية العام.

ثالثا: مع ان الصورة تبدو مريحة في المستقبل القريب، الا ان نذر المتاعب تلقي بمؤشراتها للعام المقبل. تقرير وكالة الطاقة الدولية المشار اليه خرج منتصف الشهر بأول تقدير له لوضع الطلب على النفط العام المقبل، حيث أشار الى نمو متوقع في حدود المليون برميل يوميا، أي أقل بنصف مليون برميل عما تقدره أوبك، على ان الأهم من هذا ان الطلب على نفط أوبك سيتراجع وذلك بسبب النمو في امدادات المنتجين من خارج المنظمة، التي ستصل في أجماليها الى 1.7 مليون برميل يوميا، وهو ما يفرض على أوبك تراجعا في امداداتها للسوق للسنة الخامسة على التوالي، وهو تراجع يتوقع له أن يبلغ العام المقبل 700 ألف برميل.

زيادة الامدادات من خارج أوبك يدعمها تحسن أوضاع الانتاج في دول الاتحاد السوفياتي سابقا التي ستضيف نحو 613 ألف برميل يوميا تليها أفريقيا التي ستضيف 407 آلاف برميل يوميا. ومن أبرز التطورات في هذا المجال دخول تشاد نادي الدول المصدرة للنفط، اذ يتوقع لها أن تبدأ مطلع العام المقبل في تصدير 225 ألفا الى 250 ألف برميل من خلال كونسورتيوم يضم كبرى الشركات العالمية بقيادة أكسون/ موبيل، وشيفرون الأمريكيتين وبتروناس الماليزية وذلك من خلال خط أنابيب يمتد عبر الكاميرون الى ساحل المحيط الهندي. وهناك أيضا السودان فتقديرات ادارة الطاقة الأمريكية العام الماضي كانت تتوقع له أن يبلغ انتاجه في العام 2005 نحو 229 الف برميل يوميا، بينما هي تقارب 300 ألف في الوقت الحالي. ومؤخرا أعلنت شركة النفط الوطنية الصينية العاملة في مربع 3 و7 في جنوب شرقي البلاد، الى الشرق من حقلي الوحدة وهجليج المنتجين حاليا ان الاحتياطي الذي توصلت اليه في ذلك المربع يبلغ ملياري برميل، منها 600 مليون مما يمكن استرجاعه، كما ان العمل في مربع رقم 6، وهو أول حقل ينتج في شمال الشمال يسير بخطى حثيثة وان خط الأنابيب من تلك المنطقة حتى مصفاة الخرطوم يتوقع له الاكتمال بنهاية العام.

ومع ان انتاج مثل هذه المناطق يبدو قليلا مقارنة بحجم الانتاج والاحتياطيات التي تتوفر في منطقة الخليج مثلا، الا ان هذه الكميات بتجميعها تؤثر على المستوى العام للطلب على نفط أوبك.

وهذا ما ينقل النقاش الى الملاحظة الختامية وتتعلق بمعدل الأسعار. فرغم ان مختلف التقديرات كانت تضع في حسبانها ان معدل الاسعار سيقل عن 20 دولارا للبرميل، الامر الذي أثر على حجم الاستثمارات المخصصة للصناعة النفطية. ومع استقرار الأسعار في حدود 25 دولارا للبرميل فربما يؤدي هذا الى إعادة النظر في حجم الانفاق الاستثماري ومن ثم ينفتح الباب أمام اكتشافات جديدة وانتاج جديد يؤثر على حصة أوبك في السوق، وهو ما يتطلب نظرة اخرى غير الاحساس بالراحة الذي يلف اجتماع اليوم.