هل تملك الجزائر خيارا حقيقيا؟

TT

في الوقت الذي ينصب فيه الاهتمام العالمي على أفغانستان والعراق وإيران، لا تحظى منطقة صراع أخرى في العالم الاسلامي، هي الجزائر، بالاهتمام اللائق خاصة وهي تستعد لانتخابات رئاسية مزمعة في ابريل (نيسان) المقبل، وبالتأكيد سيعيدها هذا لبؤرة الأضواء.

وفي الحقيقة فقد بدأت الحملة الانتخابية قبل شهور عندما أقال الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة رئيس وزرائه علي بن فليس من منصبه لظنه ان لديه طموحاته الرئاسية الخاصة.

والواقع أن هناك ثلاثة أنواع من القوى تتصارع من أجل السلطة في العالم الاسلامي منذ السبعينات ووصل الأمر لحد استخدام العنف في بعض الأوقات، أقدمها هي تلك القوى التي يمكن وصفها بالجامدة والتي تمثل القاعدة الحاكمة التي تعارض على الدوام إجراء أي تغيير جذري وتحاول حماية امتيازات النخبة الحاكمة، وقد اتخذت هذه القوى أشكالا مختلفة في الدول الاسلامية.

وهي في حالة الجزائر ممثلة في الجيش والشرطة والبيروقراطية التي تتحكم في الاقتصاد والمؤسسات المتنوعة التي تحصل على نصيب من عوائد البترول والغاز الخاضعة لسيطرة الدولة.

وفي الانتخابات السابقة قدم بوتفليقة نفسه على أنه مرشح هذه القاعدة. وعلى الرغم من أن نجاحه كان شبه أسطوري إلا أنه ومما لا شك فيه قد استطاع أن يحصل على الدعم من خارج هذه المؤسسة.

ثاني هذه القوى التي تصارع من أجل السلطة ممثلة في الجماعات والمؤسسات والأحزاب التي تستخدم صفة «الاسلامية» وتدعي أن لديها التفسير السياسي الصحيح الوحيد لتعاليم القرآن. في المرتين اللتين أجريت فيهما انتخابات رئاسية في الجزائر الى الآن لم يكن لهذه القوى سوى مرشح واحد في احدى المرتين. وفي تلك المرة استطاع المرشح الاسلامي المعتدل محفوظ نحناح أن يحصل على ربع الأصوات وجاء ترتيبه الثاني.

وثالث القوى في المشهد السياسي الاسلامي تمثلها الأحزاب والمؤسسات الديمقراطية والليبرالية والاصلاحية التي تدعمها الطبقة المتوسطة والبعض من أعضاء الطبقة العاملة المدنية، وقدمت هذه القوى أكثر من مرشح في الانتخابات الرئاسية الأولى وحصلوا على 12 في المائة من مجموع الأصوات.

واشتعال المنافسة بين هذه القوى يستطيع انعاش الحياة السياسية الاسلامية التي أصابها الضعف والهزال بعد عقود من الاستبداد والعنف خاصة اذا كانت الانتخابات الحقيقية هي السبيل الوحيد أمام هذه القوى للوصول الى السلطة.

لكن المشكلة في الجزائر ان المرتين اللتين أجريت فيهما انتخابات رئاسية لم يكن المرشحون يمثلون أيا من القوى الثلاث السابقة، ففي الانتخابات الأولى حصل الأمين زروال، الجنرال السابق الذي شغل منصب رئيس الفترة الانتقالية، على ثلثي الأصوات بتربعه على رأس هذه القوى الثلاث مجتمعة وكان ذلك تخطيطا انتخابيا سليما في ذلك الوقت ولكن المحصلة أنه لم يكن أمام الجزائريين اختيار واضح. وأما في الانتخابات الثانية فاز بوتفليقة بالمنصب كمرشح مستقل وكان ذلك راجعاً لانسحاب جميع المرشحين الآخرين عشية الانتخابات، ومرة ثانية لم يكن أمام الجزائريين اختيار حقيقي في تلك المرة أيضاً. فهل تقدم انتخابات ابريل المقبل هذا الخيار الحقيقي للشعب الجزائري؟ من السابق لأوانه بالطبع ان نجيب عن هذا السؤال الآن، فمراكز النفوذ في القاعدة مشغولة بالفعل في وضع سيناريو للانتخابات لا يضم إلا الشخصيات التي يريدونها هم، وبمقتضى هذا السيناريو فإن بوتفليقة يقدم على أنه «مرشح الاجماع» في الوقت الذي سيمثل الاسلاميين والديمقراطيين مرشحون ليس لهم شعبية كبيرة أو بتمثيلهم بعدد كبير من المرشحين الذين يفتتون أصوات ناخبيهم، وعنصر الغموض في كل هذا هو قرار علي بن حاج، أحد قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة بترشيح نفسه في انتخابات ابريل المقبل. وبن حاج خرج أخيراً من السجن بعد أن قضى اثني عشر عاماً هي مدة عقوبته بالكامل لاتهامه بتحريض الجيش علي التمرد وهو الى اليوم لم يعلن عن نياته الحقيقية.

وعندما رفض بن حاج المساومة على مبادئه مقابل اطلاق سراحه قبل موعده أصبح بذلك بطلا بلا جدال من أبطال الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة.

وفي عام 1990 ذكر لنا في مقابلة صحافية أجريناها معه ان الاسلام لا يمكن هزيمته في أية انتخابات ديمقراطية، وأبدى موافقته على ان الاسلاميين عليهم استغلال الديمقراطية للفوز بالسلطة، ولكن ما ان يحدث هذا فعليهم ألا يقبلوا بأية انتخابات ديمقراطية تطيح بهم خارجها.

وكان شعاره في ذلك الوقت «رجل واحد وصوت واحد مرة واحدة»، وبالطبع فمن الممكن أن يكون بن حاج قد غير آراءه، ولكن على أي حال فلا شك انه سيكون مرشحا قويا وجذابا وهذا سيغذي الجدل السياسي في الجزائر، وسترتكب القاعدة الجزائرية خطأ فادحاً اذا استخدمت أية وسائل قذرة لمنع بن حاج من ترشيح نفسه، فلدى الحركة الاسلامية الجزائرية أكثر من مرشح مناسب قد يكون بمثابة بديل لابن حاج مثل عبد الله جاب الله زعيم المعارضة في البرلمان، فهو شخص قيادي مثل بن حاج وان كان التزامه بالديمقراطية ورفضه للعنف أكثر وضوحاً.

ويبدو ان المعسكر الديمقراطي الليبرالي سينقسم على نفسه مرة ثانية وهذا ما يقلل فرصته في الفوز، فالزعيم المخضرم سعيد سعدي المدافع عن حقوق الانسان مستعد لخوض المعركة.

ولكن هل يستطيع توسيع دائرة الدعم بعيداً عن منطقته القبلية والعاصمة الجزائر؟ وعلى أي حال فقد يتمكن زعيم حركة الاستقلال المخضرم حسين آيت احمد أن يشق معسكر سعدي مرة ثانية.

والواقع ان المعسكر الديمقراطي الليبرالي يمتلك فرصة قوية اذا استطاع التوحد خلف مرشح واحد يستطيع جذب الأصوات من القاعدة والاسلاميين، ومثل هذا المرشح قد يكون هو بن فليس رئيس الوزراء السابق.

فبعد حملة طويلة من الدفاع عن حقوق الانسان يترأس بن فليس حالياً جبهة التحرير الوطني التي حكمت البلاد في ظل نظام الحزب الواحد طيلة ثلاثين عاماً.

والحقيقة ان الكثير من مأساة الجزائر الأخيرة يرجع الى السياسات الهدامة التي مارستها جبهة التحرير الوطني، ولكن يبدو ان الحزب الحاكم قد تغير بنفس الطريقة التي تغيرت بها الأحزاب الشيوعية في شرق ووسط أوروبا قبل أن تستعيد السلطة.

واذا لم يدعم بن فليس سوى جبهة التحرير الوطنية فلن يكون له نصيب كبير في الفوز، فالقاعدة سوف تدفع بثقلها خلف بوتفليقة. وأما الاسلاميون الذين عانوا طويلا بسبب سياسات جبهة التحرير الوطني فلن يكن لديهم أي سبب يدفعهم لتأييد بن فليس.

والمتوقع أن تكون هناك ثلاثة جياد على مضمار السباق: بوتفليقة ممثلاً للقاعدة، وبن حاج ممثلاً للانقاذ، وبن فليس ممثلا للديمقراطيين والليبراليين والاصلاحيين. والثلاثة يتسابقون في سياق من المفاوضات الحذرة والبرامج الواضحة، فبهذا فقط يمكن أن تتيح الانتخابات المقبلة خيارا حقيقيا للشعب الجزائري وبالديمقراطية، فقد تستطيع القوى الثلاث التعايش والتنافس بدون عنف أو إرهاب أو استبداد.