شارون يمرر إسرائيل التوراتية من «خريطة الطريق»

TT

لعل ما نطلق عليهم اسم «عرب إسرائيل»، أو «فلسطينيو 1948»، أكثر مجموعات الشعب الفلسطيني تأثرا بالتعديلات السلبية التي اقترحها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون على خارطة الطريق الأمريكية. فشارون يقترح إقراراً واعترافاً فلسطينياً صريحاً بيهودية الدولة الإسرائيلية مقابل الاعتراف والإقرار الإسرائيلي بدولة فلسطينية.

واقتراحات شارون بصدد يهودية الدولة الإسرائيلية لم تأت من فراغ، بل تحمل وراءها فكراً ما زال يعشعش في أذهان وأحلام الصهيونية ورواد الترانسفير والترحيل الجماعي، وبالضرورة فان اقتراح شارون يستوجب التوقف قليلاً، نظراً لما يحمله من مؤشرات ودلالات تتعلق، ليس فقط بمستقبل الدولة الإسرائيلية بيهودها وعربها، وإنما أيضاً، بمستقبل أكثر من عشرين في المائة من سكان هذه الدولة وهم المواطنون الفلسطينيون، البالغ عددهم قرابة مليون ومائة ألف نسمة، وفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي. والخلفية الحقيقية التي يقوم على تخومها الموقف إياه، مردها مجموعة من العوامل الفاعلة في حياة التجمع اليهودي داخل إسرائيل، تقف على رأسها المسألة المتعلقة في الخيار بين: يهودية الدولة أو الدولة لكل مواطنيها.

فإسرائيل ما زالت، بعرف الأغلبية الساحقة من القوى الحزبية والاجتماعية والسياسية اليهودية، بما في ذلك بعض أطراف ألوان «اليسار الإسرائيلي»، هي« دولة اليهود» الذين يحق لهم ما لا يحق «للأقليات». والمقصود بالأقليات، السكان الفلسطينيين الأصيلين أبناء البلد. وبالتالي فإن الديمقراطية عند المجتمع اليهودي على أرض فلسطين، مفصلة تماماً على مقياس خاص لا ينطبق على الفلسطينيين المتجذرين على أرض فلسطين عام 1948.

أيضاً، فإن طغيان المد اليميني المتطرف التوراتي والقومي الموغل في الرواية الميثولوجية داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين، يعتبر سبباً وجيهاً في استفحال نزعات «يهودية الدولة» والنزعة العنصرية تجاه المواطنين العرب في إسرائيل. وهذا التيار، أي التيار اليميني بجناحيه العقائدي التوراتي والقومي العلماني، يتمتع الآن بنفوذ كبير، يتغذى منه شارون باقتراحاته الأخيرة، وبسياسته العدوانية والفاشية الدموية ضد الشعب الفلسطيني.

وأظهر رد الفعل الفلسطيني في مناطق 1948، أن عمق التفاعل في الشارع الفلسطيني يخلق بالضرورة عملية تراكمية سياسية وفكرية وتنظيمية جديدة، تساعد على تصليب عود الفلسطينيين هناك، وتزودهم بطاقة جديدة تسمح لهم بتطوير خطابهم السياسي، وعلى الأخص منه الخطاب المطالب بالمساواة والحقوق الوطنية والقومية، وحق التعبير عن الذات وكينونتها، وعلى الأقل أسوة باليهود المهاجرين (المستعمرين) الذين جاءوا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ولا يتكلمون حتى اللغة العبرية ويملكون وسائل الإعلام الخاصة بهم من صحف ومنبر إذاعي، وحتى مشروع منبر تلفزيوني قادم.

إن إسرائيل التوراتية أصبحت وراء التاريخ، واقتراحات شارون لا مكان لها في عالم اليوم، وعليه فإن الحراك سيتواصل داخل الدولة العبرية على كل المستويات السياسية والاجتماعية وعلى المستوى الأيديولوجي. وبالتالي فإن المطلوب القادم ينتظر من جميع الأحزاب العربية داخل إسرائيل مهام إضافية، تقف على رأسها حماية الذات أمام تفاقم أفكار ومد اليمين التوراتي، الحالم بإسرائيل العبرية اليهودية الخالصة، كما يطرح شارون وفق تعديلاته على خطة خارطة الطريق الأمريكية. كما في الدفاع عن انتمائها القومي وحقوقها في المواطنة الكاملة. ومن هنا أهمية وحدة الفعل الوطني بين مختلف الأحزاب العربية داخل الخط الأخضر، وتجاوز الانقسامات الداخلية، وتجنيد المجموعات اليهودية المتواضعة الحضور والمعادية للمؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، في الدفاع عن المطالب المحقة للمواطنين العرب على أرض وطنهم التاريخي.

إن أفكار شارون بشأن يهودية الدولة العبرية الصافية، لن تستطيع ايجاد موطئ قدم لها في القرن 21، فالتجمع الفلسطيني داخل حدود 1948، تحوَّل عبر العقود التي تلت النكبة، من كتلة بشرية أرادوها كتلا مهملة لا علاقة لها بمعادلة الصراع الدائر مع الغزو الاستيطاني الاحلالي ( إحلال يهود بدلا من العرب)، إلى عامل مهم في الخارطة الوطنية الفلسطينية، وفي عملية توحيد كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وستبقى الآفاق مفتوحة أمامه للمساهمة الفاعلة في دعم كفاح الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس والقطاع.

*كاتب فلسطيني ـ دمشق