خريطة قديمة حديثة

TT

ماذا حدث في الشرق الأوسط منذ إعلان خريطة الطريق رسمياً؟ وماذا حدث خلال زيارتي أبي مازن وشارون إلى البيت الأبيض؟!

ما حدث في المنطقة هو أن الفصائل الفلسطينية جميعها وافقت على هدنة مع إسرائيل، وباشرت السلطة الفلسطينية بجمع أسلحة من تراه يحمل سلاحاً في الشارع. وركز الحوار الدائم بين الفلسطينيين جميعاً على العيش المشترك وإمكانية إقامة السلام وإنهاء العنف. ولكن ما حصل على الجانب الإسرائيلي كان في الاتجاه المعاكس تماماً، إذ اتخذ الكنيست الإسرائيلي قراراً باعتبار أراضي الضفة والقطاع غير محتلة، أي جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل. وقتلت إسرائيل أطفالاً فلسطينيين ضمن استمرار سياستها المقصودة بقتل الأطفال الذين يمثلون جيل المستقبل. كما دمرت العديد من المنازل الفلسطينية بحجة أو بأخرى. ورصدت أكثر من 70 مليون دولار للاستمرار ببناء جدار برلين الجديد، وتوسيع الاستيطان. والأكثر من ذلك، هو أن حزب موليدت الإسرائيلي، رفع مشروع قانون إلى الكنيست لطرد أكثر من 200 ألف فلسطيني يقيمون في القدس الشرقية، كما اقترح تنظيم استفتاء في إسرائيل حول إجلاء الأحياء العربية في القدس الشرقية التي تم احتلالها وضمها منذ عام 1967.

وطبعاً، يأتي هذا الاقتراح ليدعم الحديث عن دولة يهودية صرح بها شارون وباركها بوش في اجتماعات العقبة الأخيرة، ولعلّ هذه أخطر نتيجة تمخض عنها إعلان خريطة الطريق، لأنها تقوّض الحقوق الفلسطينية، وتوجه ضربة قاصمة لقضية القدس واللاجئين، وهما القضيتان الاساسيتان في الصراع العربي الإسرائيلي.

لكن ما حدث خلال زيارة شارون إلى البيت الأبيض خطير للغاية، فبدلاً من أن يشهد العالم ضغطاً اميركيا على إسرائيل للتراجع عن الاستيطان وبناء الجدار، اللذين يشكلان عائقاً حقيقياً أمام أي عملية سلام، فقد شهد العالم التبني الاميركي لوجهة النظر الإسرائيلية. وبعد أن كان الرئيس بوش ووزير خارجيته قد تحدثا سراً وعلناً على أن الجدار يشكل مشكلة في طريق السلام، وأن على إسرائيل التخلص منه إذا ما أرادت فعلاً إحلال السلام وخلق الثقة بين الطرفين، فقد سمعنا رئيس الولايات المتحدة يقول إن المسألة حساسة، وأنا أتفهم ذلك طبعاً. عبرت إسرائيل عن عزمها الاستمرار ببناء الجدار الذي يقضم أخصب أراضي الضفة والقطاع، ويستولي على المياه فيهما. ويبقى الأخطر من كل هذا وذاك، هو ما نشرته جريدة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، يوم الأربعاء 30 يوليو، بأن الرئيس الاميركي جورج بـوش، أهـدى رئيس الـوزراء الإسرائيلي آرييل شارون خريطة «للأراضي المقدسة» تعود إلى 1678، وتشمل العديد من دول المنطقة.. وقد عبر شارون فور وصوله إلى البيت الأبيض عن شكره لبوش على الخريطة التي تظهر فيها أيضاً بابل... وقال «يمكنني أن أؤكد لكم سيدي الرئيس أن هذه الخارطة كانت ستحصل على موافقة حكومتي بدون مشكلة».

أوعرفتم الآن لماذا العراق ولماذا السعودية في هذا التوقيت بالذات، ولماذا بابل وخيبر من جهة، والحديث عن دولة يهودية تبنى على ضعف العرب وانقساماتهم وإرضائهم بكلمة «تفهم» هنا وكلمة «قلق» هناك، إذ لا يعلم أحد ما هو المعنى السياسي لعبارة أن الولايات المتحدة «تتفهم» مطالب الفلسطينيين، أو أن رئيس الوزراء البريطاني «قلق» من استمرار إسرائيل في بناء الجدار الأمني. لقد استمرّ «التفهم» من جهة و«القلق» من جهة أخرى على مدى سنوات، بينما غيرت إسرائيل الواقع على الأرض. وبدأ اليهود منذ أسابيع بدخول ساحة المسجد الأقصى، ومنعوا المسلمين من الصلاة هناك. وأغلقت اسرائيل بيت الشرق في القدس الشرقية، وأصبح ذلك الآن أمراً واقعاً. وغيرت هوية القدس ببناء مستوطنات تغيرّ من الهوية السكانية للمدينة. والآن يتحدثون عن قانون لترحيل الفلسطينيين من القدس الشرقية، وربما أيضاً، سوف يخططون للتخلص من فلسطينيي 1948 ، بينما تندثر «التفهمات» ومصادر «القلق»، ويبقى الواقع الذي تخلقه قوى الاحتلال هو الوحيد على الأرض الذي يرغمون على التعامل معه. وبدلاً من أن «يتفهم» الحكام العرب كل هذه المعطيات المخجلة، التي لا تبقي لأمتهم حقاً أو حتى أفقاً لمستقبل التسوية، إذا كانت هناك نية بالتسوية، فإنهم يتعاملون مع مطالب إسرائيلية كخلق حرب أهلية فلسطينية، بينما تعمل إسرائيل بدأب لوضع الأسس العملية لإسرائيل الكبرى.

إن نظرية اجتثاث «الإرهاب» التي يتعامل معها الفلسطينيون ويحاولون فرض مطالبهم، هي نظرية تهدف في النهاية الى نزع جميع أسلحة العرب، وإنهاء الانتفاضة والمقاومة، وإطلاق يد «إسرائيل» في تثبيت الواقع الذي تطمح إليه وتخطط له. ولا شك في أن كل الحروب التي بدأوها في المنطقة، والحروب التي يخططون لها والتهديدات التي توجه إلى السعودية وسورية، يمكن فهمها من هذا المنظور فقط. وإذا ما استمر العرب في الدوران في فلك المفاهيم التي تصدر لهم، والتي تهدف إلى التغطية على هذا المخطط الإسرائيلي للهيمنة على المنطقة فإن مستقبلهم سيكون قاتما.

على العرب اليـوم أن يقرأوا ما بين السطور، ويحللـوا الأحداث بعمـق، لا أن يتغنـوا «بتفهم» هذا وشعور ذاك «بالقلق» اللذين لن يجديا نفعاً ولن يقودا قضيتهم سوى إلى الهاوية.

* كاتبة سورية