بارونات روما..!

TT

تذبل الدول وتنهار الامبراطوريات العظمى وتتحول الحضارات العريقة الى اوابد دارسة، وتصبح العواصم التي كانت ذات يوم مركز العالم كله خرائب ينعق فيها البوم وتعشعش فوق تيجان ما تبقى من اعمدتها غربان الشؤم، فهذه هي سنّة الكون، والدول كالافراد، تمر بمرحلة طفولة ثم شباب ثم رجولة ثم كهولة ثم شيخوخة ثم نهاية.

عندما حل القرن الرابع عشر كانت روما عاصمة الامبراطورية الرومانية العظيمة، التي حكمت العالم القديم من «باث» في بريطانيا وحتى مشارف امبراطورية «فارس» في الشرق، قد تحولت الى مجرد خرائب تفوح منها رائحة العطن والرطوبة، فمسارحها تهدمت وشوارعها اتربت وقصورها تهاوت وغدت كئيبة حزينة ومحزنة ورحل عنها «بابا» الكنيسة الكاثوليكية الى منتجع فرنسي جميل.

روما «العظيمة» تراجعت خلال بضعة قرون بعد ان خلف «نيرون» فيها بارونات سفلة كانوا يتآمرون على بعضهم بعضا في النهار ويتحاربون، وفي الليل يغرقون في الفساد والملذات الرخيصة وتحولت هذه المدينة، التي كانت عاصمة العالم القديم، ثقافيا وفنيا وسياسيا وعسكريا، الى ما يشبه جيفة بقرة نافقة تنهشها الكلاب الضالة والمسعورة وتتقاطر عليها هوام الارض وبنات آوى والضباع الضارية.

روما، التي كانت تنتهي عندها كل الطرق، اصبحت مستباحة للزعران وشذاذ الآفاق وحوّّلها الفساد والمفسدون الى فريسة للبارونات الجشعين الذين حولوا مسارحها ومرابعها الى مواخير للدعارة والمجون وإلى زوايا معتمة يتصارع فيها «قبضايات» حارات يعيشون على السلب والنهب والقتل بالاجرة ويمتهنون التعدي على اعراض الناس وأملاكهم ويستبيحون كرامات الكرام.

وكما ان البرد سبب كل علة، كذلك فان الفساد سبب انهيار الامبراطوريات والدول، وهناك مثل يردده اهل الاردن يقول: «البراطيل خرّبت جرش»، و«البراطيل» هي الرشوات، والحديث النبوي الشريف يقول: «الراشي والمرتشي في النار».

جرش كانت احدى مدن الشرق اليونانية العشر وعندما ضربها الفساد حلّت بها لعنة الله فأخذت تتراجع عصرا بعد عصر الى ان تحولت قصورها الى زرائب للبهائم وأروقتها الى جحور للافاعي و«استراحات» لقضاء حاجات عابري السبل.

عندما تنهار القيم ويتعملق الفساد وتتحول الدولة، أي دولة، الى اقطاعيات للاقرباء والزبانية وانسباء «البارونات» الساقطين فانها النهاية: «واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا» صدق الله العظيم (الاسراء.. الآية 15).