للروح لا للمال

TT

لعل بعض القراء يتذكرون ما كتبته قبل ايام بشأن الموسيقى جوابا للقارئ السعودي السيد عبد الرحمن، اثار الموضوع بعض التعليقات. لم يتسع المجال لتناولها فقد شغلتني السياسة لعنها الله. ولكنني في الاسبوع الماضي جذبتني النمسا لمشاهدة مهرجان سلزبرغ للموسيقى، الذي يعتبر من اهم المهرجانات الموسيقية في العالم. وسواء جئت الى هذه المدينة للمشاركة في مهرجاناتها او سماع موسيقاها او شراء ساعات منها او الاستمتاع بقهوتها، فإنهم يأخذونك فورا لزيارة بيت موتزارت. فسلزبرغ هي مسقط رأسه وتلقي اول دروسه الموسيقية. كل ما في هذه المدينة يحمل اسمه.. شوارعها جسورها، قصورها، مطاعمها، انه صدام حسين سلزبرغ مع الفارق، وأي فارق!

ما لفت نظري في هذا المهرجان فرقة الاوركسترا الانجليزية الجديدة. هذا لا يعني انها تكرس برامجها لآخر الاعمال الحديثة، بل بالعكس جل حفلاتها تقوم على الاعمال القديمة. انها تسمية من باب المضاددة. ولكن حكايتها طريفة. اسس هذه الفرقة المايسترو نايجل سونبرن بعد شفائه من سرطان الرئة الذي اصيب به في زمن كان سرطان الرئة يعتبر مرضا نهائيا. انه والحمد لله ليس كذلك الآن. ولكنه عندما ابتلي به وجد سلواه الوحيدة في الموسيقى وفي التوجه لله بما يشبه المعجزة شفي من المرض كليا. وفي شفائه اعتبر ذلك آية من آيات الخالق فقرر ان يعبر عن شكره وحمده بتكريسه فنه ومعارفه الموسيقية لخدمة الايمان فألف هذه الفرقة التي ضمت سبعين عازفا ومغنيا ومنشدا. وكرس برامجها للاعمال ذات المحتوى الروحي. وراح يطوف بها المدن البريطانية اولا ثم انتقل الى المدن الاوروبية حيث اصابت فكرتها قلوب الكثير من الموسيقيين ومحبي هذا الفن، وهذه مفارقة اخرى في تسميتها. فرغم اسمها «الاوركسترا الانجليزية الجديدة» فالواقع لا يوجد بين عازفيها الآن غير اربعة من انجلترا. سائر العازفين الآخرين من الالمان والفرنسيين والايطاليين واليابانيين. انها خير تعبير عملي عن وحدة العائلة الانسانية عندما تجتمع في اطار الروح والايمان بالخالق الذي أبرأنا جميعا من اب واحد وام واحدة، آدم وحواء.

الميزة الاخرى لهذه الفرقة انها لا تعمل كسبا للمال. فهي لا تسعى للربح، واعضاؤها يقدمون عملهم مجانا وادارتها تعتمد على التبرعات، وفي مشاركاتها في هذا المهرجان الموسيقي دفع اعضاؤها كلفة سفرهم واقامتهم في سلزبرغ من جيوبهم، بعض الناس، قل اكثر الناس يدفعون نفقات سفرهم من اجل لعب القمار او التبرج على البلاجات او التسوق من اكسفورد ستريت، هؤلاء الشباب والشابات يدفعون من جيوبهم ليعيشوا ساعات واياما من الاشراق الروحي عبر تلك المنحة الالهية الفريدة التي اسبغها الله تعالى على بني الانسان وجنس الطيور الفريدة، منحة النغم والموسيقى. تتضمن برامج هذه الفرقة مؤلفات من هاندل وهايدن وموتزارت وبتهوفن وكوبلاند واغنيات روحية فولكلورية من فرنسا وانكلترا وارلندا ولاتفيا وزنوج امريكا. كان بينها نشيد «حفظ الله الملك» الذي الفه هاندل تحية لملك انجلترا جيمس الثاني. ولكن نايجل سونبرن اعطاه بعدا عالميا، في دلالة على وحدة شعوب العالم في اطار النظام العالمي الجديد. حتما ليس جورج بوش.