المهم أن نتعلم

TT

ما يحدث لصدام حسين وعائلته وعصابته هو درس يؤكد من جديد أن الظلم ظلمات، وأن الطغيان والاستهتار بعباد الله لا يمكن أن يمرا من دون عقاب.

السجانون الذين أرهبوا الناس أصبحوا سجناء، والذين تسببوا في تشريد ملايين العراقيين ظلما وجورا، أصبحوا مشردين يبحثون عن مأوى آمن فلا يجدونه، بل إن أحد أقرب المقربين لصدام حسين باعه بثلاثين مليون دولار وقبض الثمن وغادر هو وعائلته العراق "إلى مكان آمن" على حد تعبير كولن باول.

كيف استطاع شخص واحد أن يشكل عصابة يدير بها بلداً عربياً له تاريخ طويل من الحضارة، وفيه آلاف المثقفين والمفكرين، فيحوله إلى بلد جائع ومريض، وينجح في تحطيم المؤسسات ويحول الجيش إلى إدارة تمارس الحروب الطاحنة ضد أبناء العمومة والجيران، فيقتل ويشرد الآلاف. ومع كل ذلك ينجح بالمال والسطوة على شراء الضمائر والمؤسسات الإعلامية ويجند المرتزقة للدفاع عنه وعن نظامه؟!

هناك أزمة أخلاقية لا نريد أن نعترف بها تلف حياتنا من البحر إلى البحر، لا نريد أن نعترف أن الطغاة صناعة محلية، وأن الناس صنعت قاتليها وسارقي رغيفها، وصفّقت لهم حتى صدقوا أنهم قادة يرفعون شعارات التحرير والحرية كذبا وزورا، ولا نريد أن نعترف أننا نظل صامتين خانعين، بل ربما مشاركين حينما تكون النار بعيدة عن بيوتنا، ونسكت عن ظلم الآخرين ما دام الظلم لم يصل إلى غرف نومنا، حتى إذا امتدت النيران وانتشر الظلم تذكرنا واعترفنا بأن القضية الأخلاقية هي قضية انتقائية، وأن بوصلتنا الأخلاقية تحتاج إلى إصلاح حقيقي.

نظام صدام والمسرحية الطويلة التي مارسها من قرية حلبجة الكردية مرورا بآلاف القرى الإيرانية، ثم احتلال الكويت وقبلها تشريد ملايين العراقيين واغتيال كرامات الناس وسرقة أموالهم وممارسة البلطجة ليست بالمسألة التي يمكن أن نمر عليها مرور الكرام، وليست المسألة مسألة تشفٍ بأحد كائنا من كان، بل المسألة تحتاج إلى دراسة ومعرفة بحجم وخطورة ما حدث، فكل الخوف هو أن يكرر التاريخ نفسه ونحن نتفرج عليه بكل بلاهة، كما حدث أكثر من مرة.