حين تخرب الجيوش

TT

عدم الحرب والخلود الى الراحة يخرب الجنود الصغار ويجعل الكولونيلات والجنرالات يترهلون ويفقدون شهيتهم للحياة والنساء فتخونهم الزوجات وتهرب من صحبتهم البنات وثالثة الاثافي التي يقترحها فيلم «جنود بافالو». ان اصلاح العسكري الفاسد مسألة مستحيلة، فمن شب على الخراب شاب معه واستحال عليه ان يعود الى الطريق القويم. فالفيلم يبدأ من مشهد نصب على الجنرال الاميركي الذي تخونه زوجته في المانيا الغربية وينتهي بسرقة المواد ذاتها من قبل الفاسد نفسه في ولاية اوهايو.

وجنود بافالو بالاصل أغنية لبوب مارلي الرومانسي الحزين الذي مات من دون ان يدري ان اسم اغنيته سيتحول الى فيلم يحاربه الجيش الاميركي ويعمل على تأجيل عرضه عشرات المرات الى ان نفذت الحجج وتعب المحامون. ووصل الفيلم الى الشاشات حديثا وليس اثناء حرب العراق او افغانستان. فعرضه في تلك الايام كان سيعتبر جريمة كبرى وخيانة وطنية قد يحاكم اصحابها امام المحاكم العسكرية في غوانتانامو، حيث الحكم صادر قبل انعقاد المحكمة.

وبافالو حيث تصب شلالات نياجرا بريئة كأغنية بوب مارلي من هذا الفيلم فليس فيه أي جاموسة فاقعة اللون ولا منظر من تلك البلدة الجميلة التي يفصلها عن كندا جسر نهري ساحر، لأن معظم مشاهد الفيلم تجري في قاعدة اميركية في المانيا الغربية (قبل التوحيد) في عام 1989 قبل شهور من انتهاء الحرب الباردة وانهيار جدار برلين.

وبحساب بسيط قياسا على «جنود بافالو» فانك لن تشاهد أي فيلم عن فساد الجيش الاميركي في العراق الا في عام 2017 على الاقل وذات الفترة تنطبق على كشف فساد ذلك الجيش في فيتنام فنحن لم نشاهد تلك الافلام بكثافة الا بعد عدة سنوات عديدة من انسحاب الجيش الاميركي وهو يجر اذيال الخيبة من تلك البلاد.

وعلى ذكر فيتنام فان احدى شخصيات فيلم جنود بافالو تدافع عن تلك الحرب فوالد الفتاة التي ضمها الفاسد الى نسائه مع زوجة الجنرال الغبي يقول في مشهد من الفيلم: لو انتصرنا في فيتنام لما لقينا هذه المعارضة كلها ولكان الذين ينتقدوننا اول من يمدحنا.

وعنده حق ذلك العسكري المحترف الذي لا يسرق ولكن يقتل فقط فالانتصارات تمحو اخطاء الجيوش والهزائم تضخمها الا في البلاد العربية التي ظلت جيوشها مصانة وممنوع نقدها رغم عشرات الهزائم التي الحقت بها وبالانظمة السياسية التي تسخرها لحماية الكرسي اكثر مما تدفعها للدفاع عن الوطن.

ان فيلم «جنود بافالو» ينتقد الجيش الاميركي بلا هوادة فهو يكذب على اهل القتلى ويزيف المستندات وجنوده يعملون في السوق السوداء ويبيعون الاسلحة والذخائر وكل ما تصل اليه أيديهم ولا يتعاطون المخدرات فحسب بل يبيعونها ويصنعونها ويجففون المساحيق البيضاء في مختبرات الجيش الذي جمدته الحرب الباردة وافسدته ونزعت من افراده كل احساس بالانسانية فزميلهم يموت امامهم دون ان يتوقفوا عن اللعب، وطاقم دبابة كاملة يحشش وينطلق ليفسد نصف شوارع وحقول البلدة ويحطم سياراتها ثم يتسبب في موت عدة اشخاص ويواصل السير دون ان يحس بهم. وحين جاء جنود آخرون وشاهدوهم على تلك الحالة تركوهم على قارعة الطريق وسرقوا الذخائر التي في سياراتهم لبيعها في السوق السوداء. فكل ما يعجب العسكري الاميركي بطل الفيلم في المانيا ـ بعد زوجات الجنرالات ـ سياراتها المرفهة وانك تستطيع ان تبيع فيها كل ما تصل اليه يدك.

والجيش الاميركي محق في محاولة منع عرض هذا الفيلم فهو يقدم الجيش الاول في العالم وكأنه مكون من مافيا منظمة تنصب على عصابة اغبياء من اصحاب الرتب الكبيرة ومن يدري؟ فقد يكون الامر كذلك لكن الفيلم لا يصنف نفسه بين الافلام الوثائقية ولا التسجيلية، فهو دراما عسكرية سوداء فيها بعض الحقيقة وللخيال منها حظ ونصيب اما اين يقف الخيال وتبدأ الحقيقة، فذاك متروك للمشاهد الحصيف.