الحياة بالمقلوب!

TT

في زماننا القاسي السريع الإيقاع، هل في استطاعة رجل يلهث وراء متطلبات الحياة الاجتماعية ومظاهرها من عمل ومسكن وسيارة أن يستمتع بذلك الحب الرومانسي الجميل الذي تصفه الروايات وتتحدث عنه قصائد الشعر، وأن يفوز بامرأة تبادله حباً بحب وعاطفة بعاطفة؟ .. أم أن عليه أن يختار بين أن يحقق رفاهية العيش وبين أن يعثر على الحب المستحيل وغير المتاح والموجود إلا بين صفحات كتب الروايات والأشعار؟

في رواية الروائي الفرنسي أنطوان ادوارد التي صدرت منذ أيام تحت عنوان «حياة بالمقلوب» بحث مستمر ومتواصل عن ذلك الحب المقدس أحد المبادئ الأساسية التي يؤمن بها ويكرس لها حياته.

تعرض الرواية لقصة حب تجمع بين بطل الرواية وحبيبته، وللوهلة الأولى قد يشعر القارئ أنه أمام رواية رومانسية لكنه لا يلبث أن يكتشف المشكلة التي يواجهها بطل الرواية أندريا الذي يعد أحد رجال زماننا وعصرنا البخيل القاسي، فهو دائم اللهاث وراء متطلبات العيش فلا يجد الوقت الذي يتبادل فيه كلمات ومشاعر الحب مع امرأة يختارها قلبه، لكنه عندما يقرر السعي الحثيث بحثاً عن الحب الذي يحقق له الإحساس الجميل بجدوى الحياة ومعناها وعندما يعثر عليه يجد نفسه عاجزاً عن الاحتفاظ به.

يعود المؤلف إلى الوراء في محاولة لاستبطان شخصية أندريا فتكتشف معه أن طفولة أندريا لم تكن سوية وأنه لا يزال يعيش في فترة مراهقة طويلة بعض الشيء وأن مشكلته الأساسية تكمن في أنه لا يعرف كيف يعبر عن مشاعره مما دفع المرأة التي تحبه ويحبها إلى تركه وحيداً بعد أن أصابها اليأس من إظهار حبه لها اعتقادا منها أن علاقة الحب لا يمكن أن تستمر إلا بتبادل المشاعر الجميلة وإظهارها وإعلانها.

يناقش المؤلف أنطوان ادوارد عبر سطور روايته كيف أن الإنسان الذي يعجز عن التعبير عن مشاعره يخسر المحيطين به ومنهم من يظهرون له مشاعر الود والحب، وكيف يجد نفسه في النهاية وحيداً معزولاً ومنبوذاً.. ويوضح الكاتب وجهة نظره من خلال إظهاره معاناة أندريا وحبيبته إلى جانبه تطلب منه أن يصرح لها بحقيقة مشاعره مثلما تفعل لكنه لا يجد الكلام الأمر الذي يقيم حاجزاً بينهما لا يمكن تجاوزه.

يتميز أسلوب أنطوان ادوارد بالدقة الشديدة في سرد التفاصيل الصغيرة التي تحمل جوهر الأزمة التي يعاني منها البطل أندريا، كما أن تعدد الأماكن التي حل بها بطل الرواية مثل باريس ونيويورك ولاهور ساعدت المؤلف على إثراء روايته بأوجه مختلفة من مشاعر الإنسان التي يسقطها على الطبيعة.

المعروف أن الروائي أنطوان ادوارد ولد في محيط أدبي فوالده كاتب وصحفي شهير وكذلك كثيرون من أفراد عائلته يعملون في حقل الأدب.. وبالرغم من دراسة أنطوان ادوارد للسياسية والاقتصاد إلا أن غرامه بالأدب والثقافة جعله يبدأ تجربته الأدبية مبكراً ولقد توقف أنطوان عن الكتابة الأدبية لفترة عندما عمل في مجال نشر الكتب الأدبية كما يرجع إليه الفضل في فكرة إنشاء جائزة أحسن كتاب أدبي على شبكة الإنترنت العالمية.