كُريات شارون السوداء

TT

كان دائما من فصيلة الفيلة. وعندما تتحدث المصادر الطبية الإسرائيلية عن «مرض لم يكشف» عنه يصيب آرييل شارون ويعتبر من الأسرار العليا للدولة الإسرائيلية، فانها في الواقع لا تضيف شيئاً إلى صورة رئيس الوزراء.

ولا يحتاج المرء إلى قراءة مقال وزير خارجية إسرائيل الأسبق يوسي بيلين في «الجون أفريك» عن «شارون المراوغ»، لكي يكتشف أنه بالإضافة إلى الكُريات الحمر والبيض يملك الرجل «كريات سوداء» هي التي تملي عليه المراوغة والكذب والجشع والوحشية.

فعلاً، شارون يملك «كريات سوداء» تجري في عروقه، ففي مطلع ديسمبر (كانون الأول) من عام 2001 عندما طُلب من أعضاء الحكومة الإسرائيلية أن يقرأوا القصائد التي يحبون في «يوم الشعر»، أثار شارون القشعريرة في نفوس الكثيرين وقد يقرأ قصيدة الشاعر الإسرائيلي أوري تسغي غرينبرغ:

«من الأفضل، كالأغصان أن نحمل الحساب في نفوسنا

عاطفة وعقلاً وعزيمة وناراً متأججة

وفي أعيننا ظلمة الهاوية وشرارات الحرب

من أيام روما وأيام ألمانيا وأيام العرب».

ان الحديث عن مرض شارون السري الذي يقف وراء سمنته المفرطة ليس له أي معنى في النهاية، لأن موضوع الشراهة هنا لا يتعلق بالأكل، بل يتعلق بالسياسة وبالصراع ضد الفلسطينيين والعرب، وفي هذا السياق لا يمكن النظر إلى «جدار الفصل» الذي يمزّق الضفة الغربية ويلتهم أراضي الشعب الفلسطيني ويستولي على حوض المياه الجوفية، إلاّ من زاوية الشراهة في تهويد فلسطين.

ولأن رئيس وزراء إسرائيل يعرف مدى كراهية الانطباع الذي يمكن أن يعطيه بجسده الضخم والمتثاقل، فإنه يحرص لاشعورياً على أن يعطي صورة رقيقة عن نفسه، وفي هذا السياق لجأ مرة أخرى إلى الشعر في خلال لقائه الأخير مع جورج بوش.

حصل هذا بعدما قدّم بوش له هدية، هي عبارة عن خريطة قديمة لفلسطين التاريخية أو «أرض إسرائيل» وفق التسمية الصهيونية تعود إلى عام 1678 وتضم كل فلسطين إضافة إلى أجزاء من الشام وبابل وآشور (سورية، ولبنان والعراق اليوم) فرد شارون على الهدية، بقراءة مقطع من قصيدة الشاعر الأميركي روبرت فروست «الجدار الواصل» وفي هذا المقطع ما يرد على موقف بوش من «الجدار»، عندما يقول: «الجدار الجيد يبني جيرة حسنة».

وإذا كانت المراوغة هي انتاج الكريات السود في دماء شارون، فان الحديث المتصاعد هذه الأيام عن «صواريخ حماس» هو بالذات من انتاج هذه المراوغة. فلقد كان مثيرًا للاستغراب أن تستغرق الصحافة الإسرائيلية والغربية في الحديث عن «تسلل تكنولوجيا انتاج صواريخ القسام من غزة إلى الضفة الغربية» وعن تلك «الهدنة الخادعة» التي ستتيح لـ«حماس» تطوير هذه الصواريخ لتصل إلى مدى 14 كيلومتراً.

ومن الواضح تماماً أن تصوير «قساطل البارود» وكأنها تلك الأسلحة التي ترهب دولة إسرائيل، المدججة بالنوويات، ويمكن أن تثير هلع أميركا أيضاً، انما يهدف إلى تحضير الذرائع الملائمة لنسف «خريطة الطريق» واجهاض «رؤية بوش» بشأن الدولة الفلسطينية.

وإذا كانت سمنة شارون هي المرض السري الذي يصيبه، فإن شراهته العدوانية هي المرض الذي يصيب التسوية في فلسطين.