أذربيجان الغنية بالنفط تواجه مستقبلا غير مستقر

TT

انتشرت الشائعات يوم الاثنين الماضي، في اذربيجان، بأن الرئيس حيدر علييف توفي في المستشفى في تركيا، وذلك بعدما طلب من البرلمان الأذري تعيين ابنه الهام رئيسا للوزراء، حيث في ظل تعديل الدستور الاخير، يصبح الهام رئيسا للجمهورية، اذا ما اضطر والده للاستقالة، او اقعده المرض عن مزاولة صلاحياته او.. توفي.

طبيبه في المستشفى العسكري التركي «غولهان»، نفى وفاته، لكنه قال ان الرئيس البالغ الثمانين من العمر في وضع صحي حرج، لهذا قاطعت المعارضة جلسة تعيين الهام علييف (101 صوت مقابل لا شيء)، على اساس، ان حيدر علييف يحاول انشاء سلالة سياسية حاكمة.

منذ الثامن من الشهر الماضي وعلييف في المستشفى والسلطات الأذرية تصر على ان زيارته روتينية، انما منذ سنوات وصحته متدهورة، وامضى فترات مطولة في تركيا والولايات المتحدة، حيث خضع لعمليات في القلب والبطن، لكن ظلت السلطات تخفي حراجة الموقف حتى 21 نيسان (ابريل) الماضي، عندما سقط الرئيس مرتين مغشيا عليه وهو يلقي خطابا، كان التلفزيون ينقله حيا، ومنذ ذلك الوقت غابت صورته عن التلفزيون.

البرلمان الأذري او «مللي مجلس»، بمجرد تلقيه رسالة الرئيس وافق على تعيين ابنه رئيسا للوزراء، على الرغم من وجود رئيس للوزراء ارتور راسيجاد، البيروقراطي والذي لم يكن احد يعتقد بأنه قد يصبح يوما رئيسا، إلا لفترة انتقالية. ان موافقة البرلمان على طلب الرئيس لم تكن مستغربة، فهو برلمان موال جدا وما يطلبه علييف يتم تطبيقه فورا. لكن منذ انتشار الشائعات، بدأت المعارضة تتحرك وانطلقت مظاهرة في العاصمة باكو طالب فيها زعماء المعارضة بأن تكون الحكومة صريحة وتكشف عن حقيقة الوضع الصحي للرئيس، خصوصا عما اذا كان قادرا على القيام بواجباته، ثم طالب المتظاهرون بانتخابات حرة وعادلة ولوحوا اعلاما هاتفين: «الحرية» و«ليسقط الرئيس». وقال نائب رئيس حزب المساواة المعارض عارف غادجييف: «وصلتنا اخبار بأن الرئيس توفي، ولا نعتقد انه يحق لابنه الهام ان يصبح رئيسا». وهددت المعارضة بأنه ما لم تكشف الحكومة عن صحة وضع حيدر علييف، فإن كل المراسيم والتعيينات الصادرة عنه تصبح لاحقا غير شرعية.

ان تاريخ الهام السياسي صفر، بدأ حياته كـ «بلاي بوي» وحتى الآن هو مدمن على القمار في الكازينوهات ومدمن على الخسائر. في الاشهر الاخيرة حلت صورة الرئيس وابنه الهام محل صورة الرئيس وحده في الوزارات، ثم عينه والده نائب رئيس الحزب الحاكم، ونائبا لرئيس شركة نفط اذربيجان (سوكار) وصار يقلد والده بدعوة رؤساء شركات النفط لزيارته، وكي يكسب ولاء الجيل الشاب عينه والده رئيسا للجنة اذربيجان الاولومبية! وممثلا لاذربيجان في المجلس الاوروبي، وقبل اشهر نشرت الصحيفة الحكومية «اذربيجان» مقالا ذكرت فيه، ان الهام يتمتع بـ «مجموعة الجينات المناسبة» ليقود البلاد! وهذا ما اثار سخرية الصحف المعارضة. ومساء الجمعة سجل الهام اسمه رسميا كمرشح لانتخابات الرئاسة التي ستجري في 15 تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، منافسا لوالده.

اللافت، ان حيدر علييف كان اول من سجل اسمه لخوض المعركة الرئاسية المقبلة، فهو منذ تسلمه الرئاسة عام 1993، وهو يخوض «كل المعارك» ويكسب المنصب، ولهذا لم يهيئ احدا لخلافته ـ باستثناء مؤخرا ابنه ـ ومرة مزح مع ممثلي شركات النفط العالمية بأن قال لهم، انه يتوقع ان يكون موجودا بعد مائة سنة!

لقد قاد حيدر علييف اذربيجان منذ 34 عاما، كان جنرالا في جهاز الكي. جي. بي، والاغرب انه بدأ حياته العملية في زمن جوزيف ستالين، فعاصر كل زعماء الاتحاد السوفياتي، ورغم ارتباط اسمه باذربيجان ومحبة الناس له، إلا ان هذا الوضع لا ينطبق على ابنه، ولا احد يعتقد ان الهام قادر على تسلم مسؤوليات والده أو انه يملك قوة الشخصية نفسها، والانضباط والاصرار وبالطبع الطموح والحنكة.

ان الكثير من الأذريين والحكومات الغربية وشركات النفط يشعرون بقلق الآن بسبب وضع القيادة في اذربيجان، وبالذات الحكومات الغربية وشركات النفط التي تنظر الى احتياطي النفط الأذري بمثابة بديل عن نفط الخليج الخام.

لذلك، فإنه من وجهة نظر عالمية، فإن التغيير في القيادة في اذربيجان، ليس بالحدث الصغير، لأن موقعها الجغرافي يحمل اهمية تفوق اضعاف مساحتها الصغيرة، اذ تحدها غربا ارمينيا التي هزمت اذربيجان في حرب شرسة في التسعينات وما زالت تحتل %20 من مساحتها (ناغورنو كاره باخ)، كما ان علييف وافراد دائرته الصغيرة هم من الـ «يراز»، اي الأذريين الآتين من ارمينيا، وتحدها جنوبا ايران التي تشعر بقلق من احتمال ان تقوى باكو وتتطلع الى الاستيلاء على جزء من شمال ايران، لأن عدد الأذريين في ايران يفوق عدد سكان اذربيجان نفسها، وتحدها شمالا روسيا، مستعمرتها السابقة التي تدعم باستمرار ارمينيا للضغط عليها، وهناك غربا ايضا تركيا التي تقوم بدور الشقيق الكبير والتي تعرف كيف تستعمل سياسة العصا والجزرة مع الاطراف الأذرية، وهناك اخيرا الولايات المتحدة الاميركية التي لا تريد اطلاقا ادارة ظهرها لمثل هذه المنطقة الاستراتيجية الغنية بالنفط.

عندما وقعت عمليات 11 ايلول (سبتمبر) الارهابية في نيويورك وواشنطن تعهد حيدر علييف بمساعدة اميركا في حربها ضد الارهاب وفي مكافحة تهريب المخدرات، واعرب عن رغبة بلاده في الانضمام الى حلف الناتو، وفي وقت لم تنزعج ايران من هذه الرغبة التي لا تسبب لها مشكلة، عارضتها موسكو بقوة.

بغض النظر عن وضع علييف الصحي الآن، ان هناك اجماعا على ان مرحلته اقتربت من نهايتها، لذلك، يسود اعتقاد بأنه اذا ما توفي، فإن اذربيجان مقبلة على فترة من اللااستقرار قد تشل الصناعة النفطية فيها.

ان ابقاء اذربيجان بعيدة عن التورط في مشاكل في منطقة اضطرابات جيو ـ سياسية، يعود الفضل فيه الى علييف. لهذا، فإن اللاعبين المحيطين بتلك البلاد، لا بد انهم بدأوا يراجعون مواقفهم على اساس ان رحيل علييف سيغير من المسرح السياسي في اذربيجان. ان اهم ما اقدم عليه علييف، بحيث ابقى التدخلات الخارجية إن كانت من روسيا او ايران او ارمينيا بعيدة، كان توقيعه على كل اتفاقيات لتطوير صناعة النفط، القادر على الحصول عليها، وبهذا كانت اذربيجان الثانية بعد كازاخستان، في جذب الاستثمارات الاجنبية لنفطها. وحسب مصدر غربي متتبع لاوضاع اذربيجان، فإن الوجود الضخم لكل شركات النفط العالمية الكبرى في اذربيجان، جعل اللاعبين الاقليميين يفكرون اكثر من مرة قبل الاقدام على أي خطوة، قد تضر بمصالح اذربيجان، ويضيف، ان الضمانات الشخصية من حيدر علييف، هي التي جعلت استثمارات تفوق قيمتها مليارات الدولارات، مثل انبوب نفط باكو ـ تبليسي ـ جيهان، تتحول من حلم الى مشروع بدأ بناؤه فعلا، لكن المشكلة ان الرئيس نفسه كان وسيط كل تلك الصفقات واتخذ اجراءات محددة بأن يكون مصير هذه الصفقات مرتبطا ببقائه في الحكم وهذا ساعده على تقوية وضعه، وبالتالي فإن كل شيء قد يكون معلقا الآن على من يدير السلطة في المستقبل.

محدثي الغربي يتوقع ان يعم عدم الاستقرار اذربيجان، ذلك ان علييف اثناء عشر سنوات من رئاسته حرص على قصقصة اجنحة كل اعدائه السياسيين، ووضع هيكلية سياسية لبلاده، بحيث يعجز اي سياسي مستقل ان يتحدى سلطته.

كل هذه الاجراءات، ابقت على مؤسسات الدولة: العسكرية والبرلمانية والقضائية، مجرد شكل من دون مضمون او قوة، كما انها جزأت وفرقت المعارضة، ولم تدعم النظام والقانون، لذلك تسرح المافيا بقوة في اذربيجان.

وكان ذكر ان خلافا دب بين اعضاء الدائرة الصغرى المحيطة بعلييف الذي قد يكون المرض غدره قبل ان يرتب خلافة مضمونة تحمي عائلته والثروة التي جمعها. الجيل القديم في الدائرة الصغيرة يريد المحافظة على نظام تسلطي وقد يحاول الابقاء على الوضع القائم ويقاوم الاصلاح والديمقراطية، وقد ينجح على المدى القصير، لكن، على المدى المتوسط والطويل تجب متابعة تطورات اذربيجان، لأنه من غير الأكيد لأي خليفة لعلييف ان ينجح في مقاومة التغيير. أما الهام علييف، فهو تنقصه كاريزما والده الذي نجح في المحافظة على توازن المصالح بين موسكو وواشنطن، وحمى بلاده من حرب اهلية، وتنقصه خبرة والده وذكائه واستيعابه العميق لكيفية الحكم في تلك المنطقة الرابضة فوق ثروة نفطية وبركان قد يطلق حممه في اي لحظة.