من أحداث الأسبوع

TT

* عثر اخيرا على يوميات الرئيس هاري ترومان. وقد صعق المراقبون الغربيون لما وجدوا فيها من الافكار اللاسامية والعداء السافر لليهود. استغربوا بصورة خاصة ان يصدر مثل هذا الكلام من الرئيس الامريكي الذي أيد تقسيم فلسطين واقامة اسرائيل الى حد الضغط على الدول الاخرى للتصويت بجانب قرار التقسيم. ان دل ذلك على شيء فعلى ضحالة المعلقين السياسيين الحاليين. يظهر انهم لم يعرفوا ان جل المسيحيين الغربيين الذين ايدوا اقامة الدولة اليهودية كانوا معادين للسامية. بل واكثر من ذلك، ان الكثير من رواد الحركة الصهيونية، كانوا مسيحيين معادين للسامية. رأوا في الصهيونية خير وسيلة للتخلص من يهودهم. المستر ترومان لم يؤيد فقط اقامة الدولة اليهودية في فلسطين، بل منع يهود اوربا المشردين من المجيء الى بلاده. جانبان من نفس العملة.

* استبشر المثقفون العرب من ايتام صدام بهذا الخبر الذي اثلج صدورهم في الاسبوع الماضي. تمكن المخربون الصداميون من نسف خط النفط المار بمدينة بيجي، بما يؤدي طبعا الى خسارة العراق بضعة الوف من الدولارات حتى يتم اصلاح الخط. نعم استبشروا، فالمثل العراقي يقول: «البزونة تفرح بعمى اهلها».

تعال الآن يا سيدي واشرح للمثقفين العرب ماذا تعني كلمة «بزونة» بلهجة العراق الذي يريدون ان يتكلموا باسمه.

* لاحظ عشاق الطيور وعلماء الحيوانات المجنحة ان الطيور في الدول الصناعية اخذت ترفع درجة صوتها بعدة دسبلات اثناء تغريدها وصفيرها وزقيقها وندائها للجنس الآخر. اتضح ان ضجيج المدن وسكانها وتلفزيوناتها وراديوهاتها أخذ يغرق تغريدها وصفيرها بحيث لم تعد الانثى تسمع الذكر ولا الذكر يسمع الانثى. فاضطرت الطيور الى رفع اصواتها بحيث يتحول صفير البلابل في كثير من الاحيان الى ما يشبه نعيق الغربان. سمعت ذلك فبدأت افهم لماذا اخذنا في بلادنا العربية نتكلم بهذا الصوت المرتفع الذي يشكو منه الاجانب. فكيف تستطيع الزوجة ان تسمع كلام زوجها او الأم كلمات اطفالها والتلفزيون يدوي طوال النهار وزعيق الرئيس المنتصر وشعرائه. كل هذه الاصوات المنطلقة من مكبرات الصوت؟ بالطبع يضطر الانسان لرفع صوته. هذا سر الضجيج الذي اصبحنا نعيش فيه.

* خطرت لي هذه المقارنة البسيطة والواضحة بين الانسان والوحش. فقبل بضعة ايام اهتزت بريطانيا بنبأ قيام العالم الكبير الدكتور كلي بقتل نفسه بقطع الوريد، ثم نزف دمه حتى الموت. لماذا فعل ذلك، وهو صاحب عائلة، له زوجة يحبها وتحبه، وله ثلاث بنات شابات في غاية الحسن والادب والخلق، وهو يشغل ذلك المنصب الكبير في ميدان العلوم بحيث كلفته الامم المتحدة برئاسة الفريق المسؤول عن التحقيق في اسلحة الدمار الشامل؟ لماذا يقوم رجل بهذه المنزلة والسعادة بالانتحار؟ السبب هو ان لجنة برلمانية الحت في مساءلته عما افضى به من معلومات لرئيس الوزراء. شعر بالحرج امام هذه المسؤولية نحو بلاده فقتل نفسه.

بمقابل ذلك عندنا في العراق رجل خاض ثلاث حروب وخرج منها جميعا بالهزيمة وبموت مليون شاب من شعبه. دمر اقتصاد بلاده كليا وحول شعبا غنيا مرفها الى شعب من الشحاذين. تسبب بهجرة ثلاثة ملايين مهني مؤهل هربا من حكمه. وفي الاخير تخلى عنه حتى اخلص انصاره فسقط حكمه بلمح البصر. ووقعت بلاده تحت حكم الاجنبي. رأى على التلفزيون كيف احتفل شعبه بتكسير تماثيله وضرب صوره بالقنادر. قتل ازواج بناته وترك احفاده يتامى. خسر كلا ولديه برصاص الامريكان.

اصبحت زوجاته وبناته مشردات يستجدين اللجوء من الغرباء ومن اعدائه الانجليز. واخيرا راح يعيش عيشة الهارب من وجه العدالة يهيم على وجهه من مكان الى مكان.

ومع ذلك لم يفعل ما فعله ذلك العالم فيقطع وريده وينهي حياته ويطم عاره. هذا هو الفرق بين الانسان والوحش.