من 181 إلى 242: طالب بالأول تحصل على الثاني

TT

مر حين من الدهر، خاصة من فترة حرب حزيران/ يونيو 1967، وحتى الانتفاضة الاولى في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1987، اعتقدت فيه اسرائيل انها قد حققت منطلقات استراتيجيتها في الامن القومي الشامل، وهي التي يمكن ايجازها بالقول بانها تقوم على محورين: ان يبقى ميزان القوى بينها وبين جيرانها مجتمعين مائلا دائما لصالحها من ناحية، والقدرة الاسرائيلية على الردع السريع والمؤثر بحيث يصبح مجرد التفكير بالحرب من قبل جيرانها عبثا لا طائل من ورائه، من ناحية اخرى. وعند الحديث عن ميزان القوى هنا، فان ذلك ليس مقتصراً على الجانب العسكري فقط، ولكنه شامل لبقية عناصر القوة الاخرى، وما قد يخلقه المستقبل من عناصر اخرى. فعلى اسرائيل، والحالة هذه، ان تكون الاكثر نموا اقتصاديا، والاكثر تقدما صناعيا وتقنيا، والاكثر التصاقا بالغرب (سياسيا وثقافيا)، على اعتبار انها امتداد حضاري واستراتيجي له في المنطقة، مما يعني ضرورة المحافظة على وجودها. ودعمت حرب تشرين الأول/ اكتوبر عام 1973، هذا التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي، ولم يتغير فيه إلا البحث عن سلام مؤطر بالثوابت السابقة في التفكير الامني الاسرائيلي. فالامن هو الغاية الاولى التي تضعها اسرائيل نصب عينيها، بل هو غاية كل كيان سياسي حقيقة، ثم تأتي بقية التفاصيل التي تتغير من حالة إلى حالة.

وكان التفكير الامني الاسرائيلي منصبا على العلاقة مع دول الجوار العربية بصفة رئيسة، ولم يأخذ في اعتباره كثيرا متغيرات اخرى، وان لم يكن مهملا لها بطبيعة الحال. متغيرات مؤثرة لا ريب، لكنها لم تكن بدرجة الخطورة التي كانت تقاس بها العلاقات مع دول الجوار العربي. كان الهم الاسرائيلي منصبا على كيفية ابقاء دول الجوار المعادية في حالة من الضعف، بحيث لا تكون قادرة على هزيمة اسرائيل في اي مواجهة سريعة، وابعاد شبح المواجهة ان كان ذلك في الامكان، ولذلك وسائل عديدة لا مجال لمناقشتها هنا. فالعمل الفدائي الفلسطيني مثلا، الذي انطلق قبل عام 1967، وتصاعد بعد الهزيمة، لم يكن ينظر إليه على ذات الدرجة من الخطورة التي كان ينظر بها إلى امكانية المواجهة العسكرية المباشرة مع دول المواجهة العربية، منفردة او مجتمعة. وبحلول عام 1982، ايقنت اسرائيل انها حيدت العمل الفدائي الفلسطيني إلى حد كبير، ان لم تكن قد قضت عليه، حين غزت لبنان، واحتلت بيروت، وصفت الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان. وتأكد هذا الاعتقاد عام 1983، حين قامت اسرائيل بانشاء الشريط الحدودي «الآمن» في جنوب لبنان، وكان يبدو ان كل شيء يسير وفق التخطيط الاستراتيجي الاسرائيلي، ووفق بنود نظريتها في الامن الشامل.

ولكن ما لم تحسب له اسرائيل حسابا كبيرا، بل لم يرد في اعتبارها كعامل مهم، هو ثورة الداخل، او ثورة الحجارة التي اندلعت في نهاية عام 1987، وغيرت كثيرا من بنود نظرية الامن الاسرائيلية. وفي البداية، كانت اسرائيل تعتقد انها قادرة على قمع الانتفاضة بالوسائل العسكرية المعتادة، وبسرعة هي طابع التحرك العسكري الاسرائيلي. لكن استمرار الانتفاضة كان مناقضا، بل مدمرا، لواحدة من اهم مرتكزات الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية، ألا وهي سرعة الانجاز. فاسرائيل لا تستطيع تحمل مواجهة طويلة الامد، مهما كان نوعها، فذلك يرهقها عسكريا واقتصاديا وسياسيا، ويرهق المجتمع الاسرائيلي نفسيا فوق هذا وذاك، من حيث عدم قدرة الفرد الاسرائيلي على الحياة الطبيعية، وسط جو مليء بالرعب والتوتر، وهو المأزوم اصلا بالهاجس الامني الدائم، وبارانويا الحصار، الناتج عن ارث تاريخي معين. ادت الانتفاضة في النهاية إلى تنازل اسرائيل عن بعض غرورها وغطرستها، وبعض بنود اساسية في استراتيجيتها في الامن الشامل، فكانت مدريد، وكانت اوسلو وفق مبدأ «الارض مقابل السلام». والحقيقة ان مجرد الحديث عن «الارض»، هو تنازل مهم من اسرائيل، وتغير اهم في العقلية الصهيونية، التي تشكل «الارض» المرتكز الرئيس الذي تدور حوله، منذ ان تشكلت هذه العقلية سياسيا في القرن التاسع عشر.

وبدأت المفاوضات، ودخلنا في متاهة المراحل، ومناطق «أ» و«ب» و«ج»، وبدا ان الانتفاضة قد ذوت، ولم يعد خيار الحرب مع الجيران واردا، وتحولت منظمة التحرير من سياسة الثورة إلى سياسة الدولة، بعد انهيار المعسكر الشرقي، وتفرد الولايات المتحدة بالسلطان العالمي، فبدا لليمين الاسرائيلي خاصة، وهو المهووس بالفكرة الصهيونية الاساسية، وركيزتها الاجتماعية الرئيسية، ان مبدأ «الارض مقابل السلام» لم يعد له من ضرورة، بل وهو خيانة بحق اليهودية وارض اسرائيل، ولا بد للعودة بالتالي إلى الاستراتيجية الصهيونية الاساسية، فكان اغتيال اسحق رابين اعلانا عن هذه العودة، وجاء بنيامين نتنياهو عام 1996، ممثلا لهذه التغيرات، فطرح مبدأ «السلام مقابل السلام»، اي السلام من العرب، مقابل لا شيء من اسرائيل، بمعنى ان الارض لم تعد واردة في هذه المرحلة، والغى عمليا ما اتفق عليه في مدريد واوسلو، وكانت عودة إلى نقطة الصفر من جديد. وكان يبدو ان القضية قد وصلت إلى طريق مسدود: فلا اسرائيل الليكود راغبة في سلام حقيقي، اذ ليس هناك ما يدفعها إلى ذلك، بعد ان هدأ الداخل، وارتبطت اسرائيل باتفاقيات مع اهم دول المواجهة العربية، ولم يعد هناك خوف من عمل عربي مشترك بالتالي، ولا الفلسطينيون قادرين على فعل اي شيء سوى الاستمرار في لعبة المفاوضات، بعد ان قلمت الاظافر كافة، وطرحت اوراق اللعبة كافة، ولم يعد للفلسطينيين ورقة قوية يلعبون بها، خاصة بعد ان اثاروا استياء الدول العربية الرئيسة حين ذهبوا إلى اوسلو منفردين. كان نتنياهو محقا في تعامله مع العرب والفلسطينيين بتلك الطريقة، فلم يكن هناك ما يدفعه لان يفعل غير ذلك. وطالما ان السياسة هي فن الممكن، فالممكن لاسرائيل في تلك اللحظة كان هو كل ما تريد.

وبدت المنطقة في حالة من الجمود المطلق، شبيهة بحالة اللاحرب واللاسلم خلال فترة ما بين حربي حزيران/ يونيو، وتشرين الأول/ اكتوبر. وبمثلما حركت حرب اكتوبر حالة الجمود آنذاك، كما كان مخططا لها، فان حالة الجمود الحالية فجرتها عوامل ثلاثة، وان لم يكن مخططا لها ان تكون كذلك، كانت كأنها حلقات في سلسلة واحدة: انتصار المقاومة اللبنانية وتحرير الجنوب اللبناني، الاصرار الاسرائيلي على وحدة القدس تحت السيادة الاسرائيلية في مفاوضات كامب ديفيد الثانية، والانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثانية. واكاد اجزم ان العامل الاول، اي انتصار المقاومة اللبنانية في الجنوب، كان هو الشرارة الاولى في التفاعلات اللاحقة، او قل هو الحلقة الاولى في السلسلة المتحدث عنها. فالانتصار المعنوي الكبير الذي قدمه انتصار المقاومة على الارض في الجنوب اللبناني، كان العامل الاول وراء تصلب الرئيس ياسر عرفات في مفاوضات الحل النهائي، وذلك في ما يتعلق بقضية القدس تحديدا.

فلم يعد الاسرائيليون، بعد تحرير الجنوب، اولئك الذين لا يمكن قهرهم، ولم تعد اسرائيل «قلعة عكا» الحصينة التي لا يمكن تسلق اسوارها. وكما كانت حرب اكتوبر انتصارا معنويا عربيا كبيرا، من حيث قهر اسطورة الجيش الذي لا يقهر، كان انتصار حزب الله في الجنوب، دعما معنويا للشارع الفلسطيني، من حيث امكانية الانتصار من دون الحاجة إلى جيش نظامي، ومن دون الحاجة إلى سلاح، ومن دون الحاجة حتى إلى دولة. فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية، نتيجة التعنت الاسرائيلي في مسألة القدس خاصة، والزيارة الاستفزازية لأريل شارون إلى الحرم القدسي الشريف، ادت في النهاية إلى انفجار الانتفاضة في شوارع الضفة والقطاع، وصورة الفرار الاسرائيلي من الجنوب اللبناني تحتل الذهنية الجماعية للمنتفضين. وبدورها، ادت الانتفاضة إلى تدخل عامل او متغير اخر في الموضوع، لم يكن يخطر على بال المخطط الاسرائيلي بشكل ملح، وبذلك نعني تحرك الداخل الفلسطيني وراء «الخط الاخضر»، اي فلسطينيي اسرائيل، او العرب الاسرائيليين، وفي مدن الجليل خاصة، وهم من كان يعتقد انهم قد هجنوا بحيث اصبحوا مواطنين اسرائيليين، قبل ان يكونوا من الفلسطينيين.

كل هذه التطورات ادت إلى عودة ورقة قوية في يد المفاوض الفلسطيني، او من المفروض ان تكون كذلك. فاذا كانت الانتفاضة الاولى قد ادت إلى اعتراف اسرائيل بالفلسطينيين شعبا، فان الانتفاضة الثانية ادت إلى سقوط مبدأ «السلام مقابل السلام»، وعودة إلى مبدأ «السلام مقابل الارض»، وليس الحديث عن اي ارض. فالارض المطلوبة هنا يجب ان تكون شاملة للقدس، وهي التي تشكل احد الثوابت الاسرائيلية في عدم التنازل عنها. فـ «اورشليم»، هي روح الدولة اليهودية، وهي النواة التي يلتئم حولها العقل الصهيوني. و«جبل الهيكل»، هو نواة النواة، وبالنسبة لليمين الديني خاصة، واساطيره المؤسسة، بحيث لا اسرائيل بدون الجبل، ولا جبل بدون اسرائيل. كل هذه الثوابت بدأت في التزعزع مع استمرار الانتفاضة الشعبية في الضفة والقطاع، وفي تململ الداخل الفلسطيني داخل حدود 1948، من جراء ما يجري لاهلهم في الضفة والقطاع. فنحن نسمع اليوم مثلا، ولاول مرة منذ اعلان الدولة الاسرائيلية عام 1948، عن امكانية تنازل اسرائيل عن اراضِ ومدن داخل الخط الاخضر، خاصة في المثلث العربي، مقابل اراض في الضفة. فاسرائيل تريد ان تتخلص من هذا «البعبع» السكاني العربي المتنامي في «ارض اسرائيل»، الذي ظهر لها فجأة، كما يظهر العفريت من العلبة. ونحن نسمع اليوم، ولاول مرة منذ حرب 1967، عن امكانية ان تكون القدس القديمة تحت السيادة الوطنية الفلسطينية. تغيرات في الخطاب السياسي الاسرائيلي لم نكن نسمع عنها من قبل، والفضل في ذلك يعود إلى الانتفاضة. فكما غيرت الانتفاضة الاولى ثوابت معينة في التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي، فان الانتفاضة الثانية قامت بذات الدور. فالامن الاسرائيلي لم يعد مرتبطا بالعلاقة مع دول الجوار العربي، او بوجود حدود آمنة يمكن الدفاع عنها بسهولة فقط، بدون الحاجة إلى مواجهة طويلة المدى مع العدو العربي، بل اصبح ذا علاقة بالداخل نفسه، سواء داخل الخط الاخضر او خارجه، وبالتالي لا بد من اعادة التفكير من اجل ذات الامن.

وهنا يأتي الدور الفلسطيني الرسمي، او دور المفاوض الفلسطيني، الذي اهدر ورقة الانتفاضة الاولى، او لم يستفد منها كثيرا كي لا نكون من المجحفين، ولم يحقق منها بالتالي الكثير، فعليه ألا يهدر ورقة الانتفاضة الثانية، والدعم المعنوي لانتصار المقاومة في الجنوب اللبناني. فبموت اسحق رابين، ومجيء نتنياهو إلى الحكم، وفشل مفاوضات الحل النهائي في كامب ديفيد الثانية، يمكن القول ان مرجعية اوسلو، وكل تلك الاتفاقيات التي انبثقت عنها، هي في حكم اللاغية، حين الغاها الطرف الاخر عمليا، اي الطرف الاسرائيلي وليس الفلسطيني، خاصة في عهد نتنياهو. بل انه وحتى الان، فان نتنياهو وشارون يهددان بان اي اتفاق يصل إليه باراك مع الفلسطينيين، لن يكون ملزما لليكود في حالة وصوله إلى الحكم بعد الانتخابات القريبة. ورغم ان هذه التصريحات مخالفة للاعراف الدولية، اذ ان الدولة هي من يوقع الاتفاقيات ممثلة بمن ينوب عنها، وليس هذا الحزب او ذاك، هذه الحكومة او تلك، إلا انها يمكن ان تكون ورقة في غاية الجودة بالنسبة للمفاوض الفلسطيني. فطالما اننا عدنا إلى نقطة الصفر، وكما يحبذ ذلك الطرف الاسرائيلي ذاته، فليكن ذلك، ولتكن هناك مرجعية جديدة خلاف مرجعية اوسلو ومدريد. هذه المرجعية في اعتقادي، وهو ما يجب ان يصر عليها المفاوض الفلسطيني، هي مرجعية قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194، لعام 1948 والقاضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والقرار الأهم للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، لعام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية، بنسبة 56% من مساحة فلسطين تقريباً، وعربية بنسبة 43% تقريباً من أرض فلسطين، وحوالي 1%، وهي منطقة القدس، تبقى تحت اشراف دولي. بطبيعة الحال، وكما هو معلوم تاريخيا، رفض العرب مشروع التقسيم، وكان لهم مبرراتهم آنذاك، فنحن لا نحكم على احداث الماضي من خلال متغيرات الحاضر على اية حال، ولكن ذات هذه المتغيرات هي التي تدفعنا اليوم إلى العودة إلى ذلك القرار من جديد.

فالشرعية الدولية لدولة اسرائيل، شرعية الوجود السياسي، تقوم على هذا القرار من دون غيره. وبذلك فان مدنا تعتبر اليوم اسرائيلية، وباعتراف الفلسطينيين انفسهم بعد اوسلو، لا تزال مدنا فلسطينية وفق هذا القرار (عكا، الناصرة، يافا، اللد، الرملة، بئر السبع مثلا). اما ما يسمى بالخط الاخضر اليوم، او الحدود التي نعرفها للدولة الاسرائيلية، فهي حقيقة حدود الهدنة وليست حدوداً شرعية، بمعنى ذات مرجعية دولية. اسرائيل اليوم تقوم على ما يقارب 80% من ارض فلسطين التاريخية، بمعنى ان حوالي 24% من هذه الاراضي لا تتمتع بالشرعية الدولية. استنادا إلى قرار 181، بل هي اراض ضمت للدولة الاسرائيلية بالاعتداء والاحتلال ووضع اليد، مثلها في ذلك مثل الجولان المحتل، والقدس الشرقية، التي ضمت لدولة اسرائيل. ومجرد اعلان ايهود باراك عن استعداده للتنازل عن اراض ومدن في المثلث العربي، مقابل الحصول على اراض في الضفة، هو اعتراف بـ «ميوعة» الحدود الاسرائيلية، خاصة اذا علمنا انه ليس هناك تحديد للحدود في اسرائيل، فهي قابلة للتمدد حسب الظروف.

اذا استطاع المفاوض الفلسطيني، ووفق استراتيجية واضحة المعالم، ان يستغل ورقة الانتفاضة الحالية، وورقة التململ الفلسطيني وراء الخط الاخضر، والتوتر في الجنوب اللبناني، والتصلب السوري في مفاوضات السلام، وجمود عملية السلام مع الدول العربية، بان يطالب باقصى ما يمكن ان يطالب به، مدعما بشرعية دولية معينة، وهو قرار 181، فانه غالبا سيصل إلى الحد الادنى الذي من الممكن لاسرائيل ان تتفاوض حوله، وهو قرار مجلس الامن رقم 242، في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر، عام 1967، القاضي بعودة اسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو، 1967. بطبيعة الحال هناك اشكالية في مثل هذا الموضوع، إلا وهي ان الأراضي المحتلة في اعقاب حرب حزيران/ يونيو، وخاصة الضفة الغربية، كانت تابعة لدولة معينة هي الاردن. وباعتراف الدول العربية عام 1974، بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا اوحد للفلسطينيين، وفك الارتباط بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر الاردن، تصبح هذه الاراضي، اي الاراضي المحتلة بعد 67، اراض بلا صاحب، اي بلا دولة تتطالب بها وترجع إلى سيادتها بالتالي. ولكن مثل هذه الاشكالية يمكن ان تحل عن طريق حقائق الارض، فحقائق الارض هي التي تخلق حقائق السياسة في النهاية، من حيث هي ارض فلسطينية، يقيم عليها شعب فلسطيني، ولا تكون مثل هذه المماحكات ذات اثر إلا في حالة القبول الفلسطيني بها، وهو ما لا يبدو في ظل الانتفاضة الحالية. بل ومع استمرار الانتفاضة الحالية، مأخوذ في الاعتبار هاجس الامن الاسرائيلي، وعدم قدرة المجتمع الاسرائيلي على استمرار المواجهة لفترة طويلة، في ظل عقدة الحصار، وهاجس الخوف الدائم والدفين، بالرغم من كل مظاهر القوة، فإن المفاوض الفلسطيني قادر على انتزاع الدولة الفلسطينية، بعاصمتها القدس، انتزاعا. ولكن السؤال يبقى: هل سيستطيع المفاوض الفلسطيني ان يفعل ذلك، او بعضا منه، مستغلا كل هذه الاوراق القوية التي بين يديه، في لعبة شد حبل ليس الطرف الاسرائيلي هو الاقوى فيها على اية حال؟ هذا ما ستجيب عليه الايام القادمة..