من يدافع عن الأصوليين الآن؟

TT

عشنا سنين نحاول ان نضع فاصلا بين المسلم، الانسان الطبيعي المتعبد، وبين من يعتبر نفسه اكثر اسلاما لانه يحارب العالم. سميناهم اصوليين استنباطا من طروحاتهم التي تعتبر العالم الحديث بمجمله شر، وتنادي بتطهيره، والعودة الى الاصول بكل الوسائل، ومنها القوة.

جابه هذا الفصل اللغوي، بين المسلم المسالم المتعبد والمسلم الداعي للتغيير بالقوة، حربا دعائية ترفض التصنيف، وتهاجم مستخدميه، وتصر على ان دعاة العنف اكثر اسلامية من غيرهم.

«اصوليون، خافوا الله يا اخواننا ان تعيروا هذه الفئة المباركة المجاهدة»، كانت هذه عناوين الاحتجاجات المكثفة التي شنوها في المساجد والندوات والمنتديات. لكن في الحقيقة «اصولية» ليست كلمة سيئة في حد ذاتها، رغم اشتقاقها التاريخي من الصراع القديم في الغرب الكنسي، بل هي تعبر بأدب عن حالة كان المسلمون الاوائل يستخدمون مصطلحا اقسى هو الخوارج لخروجهم على امام المسلمين وتكفيرهم المجتمع واعلانهم الحرب عليه.

ظلت الالسن المدافعة عن الاصولية والاصوليين من الحماس والكثرة بدرجة ألجمت العديد من اصحاب الرأي من اهل الفكر الاسلامي المعتدل، حيث احتفظوا برأيهم لانفسهم. كانت رسالة الاصوليين في عنفها انها وراء معظم احداث عنف العقدين الماضيين، تجاهر بحربها الفكرية والتنظيمية امام الجميع، الذين تجنبوا مواجهتها او انتقادها. ومن الفلسفة انتقلت الى التطبيق ميدانيا، سواء في ادارة الانظمة او معارضتها، كانت اعمالهم مؤلمة للمسلمين ومخجلة للاسلام في العالم سواء عندما حكموا في السودان، او عارضوا في الجزائر وفي صعيد مصر وحواضرها، او بددوا اموال وغرروا بشباب الخليج الذين تعرفوا على العمل السياسي لأول مرة من خلالهم والتحقوا بقطار الارهاب الفكري، وتبوأوا قيادة العربة الاصولية في افغانستان.

اليوم تبدل الشعور العام الى تكفير متطرفي الاصولية، حتى صارت الناس تردد جهارا «هؤلاء ليسوا مسلمين»! انقلب الشعور ضدهم، من حالة الدعم والاعجاب الى النبذ والتكفير. ولهذا نحن نسأل انفسنا بعد هذا الانقلاب العام في التفكير لماذا فشلنا كل هذه السنين في ايضاح الفارق بين الاسلام الحضاري والاسلام المتطرف الاصولي؟

الامر كان صعبا لانه يحتاج الى امتحان هذه الفئة امام عامة الناس، من خطب المنابر الى الامتحان الميداني علانية، لهذا هم في كل مرة انتقلوا الى ساحة ارعبوا اهلها، كما في المملكة العربية السعودية اخيرا، دماء وادوات تزوير وقتل، من باروكات الشعر وملابس النساء الى قذائف الآر. بي. جي.

في الماضي كانت مهمتهم سهلة رفع المصاحف واعلان الجهاد على الاجنبي والكافر والحرب في جبال افغانستان او جزر الفلبين. كان فكرهم المتطرف سهل الترويج لانه لم يمس الناس، وان كان قد حاول ان يضيق عليهم في معيشتهم. لهذا هب كثيرون يهاجمون من ينتقد التيار المتطرف. اعتبروا استخدام «اصولية» كلمة تحقيرية رغم انها صفة معتدلة مقارنة بما كان ينبغي ان يوصفوا به. العودة للاصول كان وعدهم، وبالتالي كنا نصر على انها كلمة محايدة تعكس طروحاتهم رغم كذبها، انما كانوا يصرون على تسمية انفسهم بالاسلاميين، حتى يخرجوا من الاسلام كل من اختلف معهم.

اليوم نسأل هل كان ينبغي الصبر والسكوت على الاصولية والاصوليين؟

نعم، كان يمكن الصبر لكن ما كان ينبغي السكوت عليهم. ففتح الساحة ومطارحتهم بنفس الفكر الاسلامي الذي حاولوا اختطافه ربما قضى على فتنتهم في مهدها. فمن عادة الشعوب ان تنفر من المتطرفين في أي ملة او فكر كانوا. صحيح ان الاصوليين خدعوا امتنا سنين انما الاحداث الماضية أذنت بنهاية فكرهم الذي شوه الاسلام اكثر مما شوهته كل الحركات المتطرفة منذ زمن فتنة الخوارج.