أعداء العروبة

TT

يتهمني البعض في هذه الايام بأنني اعادي العروبة. لا احد اساء للعروبة وقوضها غير دعاتها. وسلوكهم تجاه العراق خير مثال على ما اقول. كان العراق بفضل تاريخه كمركز للامبراطورية العربية والحضارة الاسلامية من اكثر المتحمسين للعروبة. كان ابناؤه من اول العرب الذين جادوا بدمائهم على ارض فلسطين في الثلاثينات ونظموا حركة المجاهدين وانقاذ فلسطين.

هذا الوطن العروبي دمر عروبته الآن دعاة العروبة. يأتي في اول القائمة حزب البعث والنظام الصدامي. والآن تضافر كل هؤلاء الدعاة المدعون على صفحات الجرائد والفضائيات العربية لتدمير ما بقي من الشعور القومي في العراق. نفهم سكوتهم عن فظائع النظام اثناء وجوده في الحكم. ربما اعتراهم الشك في صحتها والشك يفسر لصالح المتهم. ولكن الآن وقد تكشفت كل هذه الحقائق المدعومة بالوثائق والصور، كيف يمكن لأي انسان عاقل ان يعطف على ذلك النظام ورجاله ونسائه، ويساعد على عودته الى حد عرقلة المساعي المبذولة لاصلاح ما خربه صدام، والتصفيق لكل من يساعد على عرقلة استتباب الامن كأول خطوة لاعادة البناء واصلاح الاخلاق وضمان سلامة الارواح والممتلكات؟

ترك صدام حسين العراق في حالة المبتلى بمرض شديد. تجري الآن المحاولات لاسعاف هذا المريض. كل من يعرقل هذه المحاولات يقوم بجريمة من يضع السم محل الدواء. وهذا ما تقترفه معظم الصحف والفضائيات العربية الآن. تحدث مع اي عراقي مهما كانت ميوله وديانته وظروفه لتسمعه يقول كل ما نريده الآن هو الأمن. هذه هي الكلمة التي على كل لسان. والاعلاميون العرب يقومون بكل ما يمكن ان يحرم العراق من الامن. هل ادل على ذلك من اذاعة نداءات صدام بحث العراقيين على نهب الممتلكات واعتبار ذلك حلالا لن يقاضوا عليه او يستعاد منهم؟

تصوروا محطة تلفزيونية رسمية تبث كلام مجرم، او متهم بجرائم وهارب من وجه العدالة، تبث نداءه للجمهور بارتكاب جرائم واضحة! الى اي حد وصل التدهور بمستوى المثقفين العرب. في الواقع ان اي حكومة عراقية جديدة ستستطيع مقاضاة هذه المحطات ومستخدميها بجريمة المساعدة على ارتكاب جرائم واعمال مخالفة للقانون.

القاعدة المتبعة في كل الدول غير المتخلفة تقضي بمنع وسائل الاعلام من ترويج وبث تصريحات المتهمين بجرائم، ناهيك عن بث نداءاتهم بالحث على ارتكاب الجرائم وتقويض الامن والنظام العام ومهاجمة افراد السلطة القائمة. ما تقوم به هذه الفضائيات العربية هو اعطاء منصة مجانية للدعاية لمجرم هارب من وجه العدالة. ان كان بريئا فليسلم نفسه ويواجه القضاء الشرعي. فضلا عن ذلك، ما تقوم به هذه الفضائيات يتناقض مع علاقات حسن الجوار وينم عن سوء أدب في تبني مجرم تلطخت يداه بدماء الالوف من الابرياء. ام يا ترى ان هذه الفضائيات تؤمن بأن ما عثر عليه من جثث، هي دمى جاء بها الامريكان من هوليوود؟ لا استبعد ذلك من مخرجي هذه البرامج. فغلهم نحو الشعب العراقي لا يوازيه غير جهلهم وايمانهم بالخرافات.

هذا هو السلوك الذي سيدمر ركنا اساسيا من اركان العروبة. لقد رأيت العراقيين يبصقون على شاشات تلفزيون هذه الفضائيات. اذا كان جهل هؤلاء المخرجين يمتد الى جهلهم بما يفكر العراقيون، فدعوني انيرهم. شتم العروبة وفلسطين اصبح ديدن العراقيين الآن. من الشعارات التي سمعتها «العراق للعراقيين» و «فلسطين عربية ـ انا كردي ما عليَّ». استمرار هذه الفضائيات في اعطاء منصات دعائية مجانية لصدام وبناته واصحابه، سيزيد من هذه المشاعر اللاعروبية بما قد يؤدي في الاخير الى خروج العراق كليا من جسم العالم العربي، بل ودخوله في مدار النفوذ الاسرائيلي. وقد اعذر من انذر.