السياسة والمال

TT

كان هناك زمن، او ازمان، لم تكن فيها العلاقة بين المال والسياسة حتمية. ليس دائما في اي حال. وما زلت اذكر يوم كنت يافعا، مجيء ونستون تشرشل الى بيروت في رحلة متوسطية على يخت ارسطو اوناسيس. فلم يكن بطل الحرب العالمية الثانية وسياسي القرن الماضي يملك ثمن غرفة في بخت. وبعد ذلك بحوالي العقدين تزوجت ارملة جون كينيدي من اوناسيس من اجل عشرة ملايين دولار، هي الآن دخل ساعة عند بيل غيتس. لقد تغيرت العلاقة بين السياسة والمال، على نحو اساسي. وكنت اقرأ قبل ايام ان رئيس وزراء ايطاليا سيلفيو برلسكوني في صدد شراء فيللا خامسة في جزيرة سردينيا، حيث لا يفوقه ثراء الا ابن بقال لبناني مهاجر من عائلة براك. واذا صدق ظني فان اصل الرجل من صيدا التي اخرجت، على ما اعتقد، اغنى رئيس وزراء في التاريخ، اي رفيق الحريري. وكان من عادة الرؤساء في لبنان ان يتقاعدوا وهم في قلة. وقد «اخترع» فؤاد شهاب «تقاعدا» للرؤساء السابقين من اجل منح ألفرد نقاش راتبا من الف ليرة في الشهر.

تغيرت ملامح المسألة عندما قرر رجال المال خوض الغمار السياسي ايضا. في الماضي كان السياسيون يأتون من السياسة وحدها ولم يمارسوا عملا آخر. الآن يأتون من «الادارة». والقاب النبلاء التي تقدمها ملكة بريطانيا كل عام، تذهب في غالبها الى الناجحين في حقل الاعمال. ولا شك ان اشهر رجل في بريطانيا اليوم هو محمد الفايد الذي لم يعط الجنسية حتى الآن. وقد لا تعطى له ابدا اذا ظل يعتقد ان المسألة قضية شخصية بين اهل اسكندرية وبين الامير فيليب. وما دام الكلام عن جزيرة سردينيا فان الرجل الاكثر اهمية هناك ليس السنيور برلسكوني ولا مواطننا الذي دفع 360 مليون دولار ثمنا لبقعة من الارض الجرداء (الى حين الحصول على رخصة البناء من برلسكوني) وانما هو سلطان بروناي الذي اذا مشى مشت من تحته الارض، كما تقول اغنية فيروز.

مسكين تشرشل: بلغ اهم المراتب السياسية في الغرب وعاش على اموال الرعاة. ولو تقدم النفط في الظهور قليلا لكان العرب هم الذين وفروا الرفاه للسياسي البريطاني وليس عائلة روتشيلد. ولربما تغير الكثير في تاريخ فلسطين. لكنه عاش كأشهر سياسي ومات كأشهر اتكالي. وبروناي التي حارب هو استقلالها، يمتلك سلطانها الآن المع الجواهر في التاج البريطاني، ومنها «الدورشستر» الذي باعثه مجموعة عربية في اواخر السبعينات بتسعة ملايين جنيه، لا تشتري الآن جناحا فيه.

اخفق ال روكفلر في طلب الرئاسة الاميركية التي فاز بها يتيم مشرد يدعى بيل كلينتون. لكن فاز بها جون كينيدي الذي كانت ثروة عائلته تقدر في ذلك الوقت بنصف مليار دولار، وتعتبر يومها احدى اغنى عائلات اميركا. فلم يكن مقياس الثروات آنذاك قد قفز الى المليار بعد. وفي العام 1960 كانت اجرة الغرفة في «الدورشستر» نحو 10 جنيهات. وكانت سيارة «الجاكوار» باقل من ثلاثة آلاف جنيه. وكان ثمن البيوت الكبيرة في الريف لا يتجاوز 15 الف جنيه. وكان فندق «الكارلتون» في «كان» معروضا للبيع بأقل من نصف مليون جنيه وكانت الناس لا تزال تتعامل «بالشلن» و«ربع الليرة».