تحديات سعودية راهنة

TT

تتصدر الرؤية الرسمية للإصلاح، متمثلةً في الجوانب التي أشار إليها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في خطابه لمجلس الشورى بتاريخ 1424/3/16هـ الموافق 2003/5/17، ودعوات ومبادرات ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير عبد الله بن عبد العزيز من خلال لقاءاته مع شرائح من المجتمع السعودي الشعبي، والرسمي، ودعواته المتكررة إلى الإصلاح، ورعايته للملتقى الوطني للحوار الفكري الذي عُقد في مدينة الرياض «العاصمة» خلال الفترة من 15 ـ 1424/4/18هـ الموافق 15 ـ 2003/6/18، تتصدر الحركة النشطة في المملكة باتجاه احداث تغييرات تتواكب والتحديات الراهنة. وهي تتوافق مع التطلعات الشعبية للإصلاح، وأهمية انتهاج سياسات ومسالك جديدة في التعامل مع أبعاد الأحداث التي شهدتها المملكة، والتي كشفت عما تواجهه من مشكلات وتحديات داخلية وإقليمية ودولية، وقبل ذلك وبعده، فإن الإصلاح والتجديد لا يتعارض أصلاً مع الدين الإسلامي في أصوله الصحيحة، وقطعياته الشرعية، ما دامت الغاية تحقيق المصلحة العامة. في مقالنا هذا نشير الى ضرورة وعي المواطنين بأهمية الإصلاح وجدواه، حتى يكونوا شركاء في تحمل أعبائه، ومواجهة كل من يحاول مقاومته، وتعزيز الهيكل السياسي القائم، ودعم شرعيته على أساس التوافق بين النخبة الحاكمة والشعب، بما يمكّن النظام من استيعاب مختلِف القوى الراغبة في الإصلاح والتسريع به بشكل تدريجي وتراكمي.. حتى لا تتضاعف أعباؤه في حالة تأخيره أو الارتداد عنه، مع الأخذ في الحسبان الاعتبارات الإقليمية والدولية. خصوصاً أن المرجعية السياسية للإصلاح في المملكة، والتي تُعتبر مسألة أساسية ومحورية متوفرة من خلال ما عبرت عنه المبادرات الرسمية.

هنا تظهر أهمية ترتيب أولويات عمليات الإصلاح، من قبل لجان متخصصة، وفق معايير واعتبارات عديدة، منها درجة إلحاح المشكلة، وردود الأفعال المتوقعة، وطبيعتها والتكاليف المادية… الخ. وأهمية شمول الاصلاح المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية والتعليمية، مع استراتيجية لتحديث العمل الأمني، وتطوير وسائل وتنظيمات العمل اللامركزي في المناطق الإدارية، من خلال تبني منهج الحكم المحلي ومؤسساته. وتحتل معالجة البطالة ولاسيما في صفوف الشباب، اهمية خاصة في هذا المجال، وكذلك الإصلاح الإداري الذي سيتولى تنفيذ السياسات الإصلاحية، وأهمية تغيير بعض أنماط العلاقة بين المجتمع والدولة، وإلغاء بعض المؤسسات، واستحداث أخرى، لضمان الفاعلية والكفاءة، وتعزيز جسور التواصل والثقة بين المجتمع والدولة، مع مراعاة جانب الشريعة، ومقاربة هذا العامل بكثير من الوعي، تمشياً مع خصوصية المملكة في هذا الجانب، بحكم مكانتها الدينية في العالم الإسلامي، وحتى لا يكون ذريعة تُطرح بهدف عرقلة الإصلاح.

وفي متطلبات الإصلاح ثمة أهمية لمراجعة الإطار الدستوري والقانوني بما يحقق التوجهات الإصلاحية التي عبر عنها خادم الحرمين الشريفين وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى التركيز على بعض الأمور خلال الأجلين القصير والمتوسط، مثل توسيع صلاحيات مجلس الشورى، والبحث في سبل تمثيل فئات المجتمع السعودي بشكل مناسب ضمن الوظائف العليا في هياكل الدولة، وتوسيع مجالات التعبير عن الرأي، وإفساح المجال لتنمية المجتمع المدني وتوسيع المشاركة الشعبية لممارسة دورها في الشأن العام، وتكريس المساواة، ومواجهة ارتفاع معدل النمو السكاني بالعمل على ترشيده، وتسريع وتائر النمو الاقتصادي، وتبني سياسات جديدة لاستيعاب وتوفير فرص العمل.

ولمعالجة التفاوتات واتساع الفجوات الاجتماعية، يمكن تحسين وسائل جمع الزكاة وتوزيعها، وتوجيه نشاطات الجمعيات الخيرية إلى داخل المملكة، ودعم وتفعيل أنشطة الصندوق الخيري للخدمات الإنسانية. ومع تواتر عملية الإصلاح، تكون الظروف أكثر ملاءمة لمعالجة قضايا تتميز بحساسية عالية وبكثير من التعقيد، مثل قضية المرأة ودورها في المجتمع، وتجديد الخطاب الديني وترشيده دون المساس بالثوابت، وإجراء الانتخابات في بعض مؤسسات المجتمع المدني لتكون مقدمة لانتخابات تشريعية في مرحلة قادمة.

ولإطلاق عملية الإصلاح وتأسيسها، فإن ذلك يمكن أن يتم من خلال الدعوة، إلى مؤتمر حوار وطني، يضم عدداً مناسباً من الأشخاص يمثلون مختلِف الطوائف والانتماءات، يكون من بينهم علماء ومفكرون وباحثون وأكاديميون وذوو رأي، فضلاً عن ممثلين للقطاعات والهيئات الحكومية والخاصة ووسائل الإعلام.. لتطرح من خلال هذا المؤتمر الرؤية المستقبلية لمجالات الإصلاح وقضاياه من قبل لجان متخصصة، بالإضافة إلى لجنة عليا للتنسيق والمتابعة (تنبثق من المؤتمر)، لتقوم بدراسة تقارير اللجان المتخصصة ووضع برامج الإصلاح وفق الأولويات والبعد الزمني لعملية التنفيذ.. لترفع للجهات المعنية تصوراً كاملاً، يصبح بعد إقراره، بمثابة وثيقة للإصلاح تسير على ضوئها الجهات المختصة في عملية التنفيذ.

وفي هذا السياق، نذكر بمتطلبات عامة ضرورية للشروع في عملية الإصلاح ودعمها، مثل بناء قواعد البيانات والمعلومات والبحوث العلمية وتهيئة المجتمع لها.

وفي إطار مجالات الإصلاح وقضاياه «كأفكار ومقترحات» لا بد من تسليط الضوء على الكيفية والوسيلة والمدى الزمني للتنفيذ، وتناول المعطيات الاقتصادية والأداء الاقتصادي السعودي ومقوماته الإيجابية التي يزخر بها، وكيفية صياغة إصلاحه، والجوانب التي قد تكون من الأهمية بمكان في تلك العملية، مثل الابتعاد عن أحكام وبرامج التكييف، ومعالجة المشاكل والاختلالات، وتأهيل الاقتصاد السعودي وتعزيز قدرته التنافسية، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة ومتوازية وتكييف العمل لتوسيع قاعدته، ودعوة أصحاب الفكر الاقتصادي لتبني آرائهم ودراساتهم، مع الاستفادة من التجارب التنموية، وعدم استنساخها للوصول إلى نموذج على شكل برنامج عمل شامل ومتكامل، للوصول إلى هيكل اقتصادي متوازن ومواجهة التحديات في هذا المجال.

* كاتب سعودي