المطالب الأمريكية.. فرصة أم تهديد

TT

عندما ترفض طهران تسليم عناصر من «القاعدة» الى الامريكيين، او مشاركة الاخيرين في التحقيق في ملف الاتهامات الموجهة اليهم، تكون قد فعلت الصائب بعينه، مما يتوقع من الدول صاحبة السيادة والاستقلال الوطني، أيا كان رد الفعل الامريكي تماما، كما هو الحال مع المملكة العربية السعودية التي ترفض ان يتدخل في شؤون دينها ومذهبها وقيمها وشرائعها الفكرية والتربوية كائن من كان من خارج حدود المملكة حتى لو كان ذلك الطرف حليفا استراتيجيا.

الشيء نفسه يمكن ان ينطبق على الدولة السورية اذا ما قررت رفض الاستجابة للمطالب الامريكية القاضية بإبعاد او ترحيل من تسميهم ادارة بوش بالمنظمات الارهابية الفلسطينية او وقف الدعم للمنظمات اللبنانية والمقاومة الاسلامية ـ وهو ما تفعله حتى الآن ـ ايا كانت العقوبات التي تلوح بها الادارة الامريكية المصرة على انحيازها المطلق لاسرائيل.

وايضا، بل وبشكل اكثر وضوحا ودرجة اكثر الحاحا، يمكن ان ينطبق ذلك على السلطة الوطنية الفلسطينية اذا ما رفضت ان تتحول الى اداة بيد اسرائيل لتحقيق مآربها التصفوية بحق المنظمات الفلسطينية بحجة محاربة العنف! وتفكيك المنظمات الارهابية! حتى لو كان مثل هذا الرفض سيدفع بالادارة الامريكية لوقف مساعداتها الهزيلة للسلطة او اتهامها بالعجز في مواجهة الارهاب!

ثمة من يشير على هذه الدول ان تتصرف «بعقلانية»! اي بما من شأنه تلبية المطالب الامريكية المشار اليها اعلاه، باعتبار ان ما تطرحه الادارة الامريكية حتى الآن، يمثل «فرصة» تساهم في توثيق العلاقة مع واشنطن او اعادة ترميم ما انقطع منها او صناعة علاقات جديدة!

بينما يجزم آخرون بأن ما تطرحه الادارة الامريكية حاليا، بالوسائل الديبلوماسية، ما هو الا تهديدات مبطنة، الغرض منها «دفع الوقت» الى حين مجيء الفرصة المناسبة للانقضاض على استقلالية القرار لدى الدول المعنية المشار اليها اعلاه، باعتبار ان الولايات المتحدة، لم تعد تحتمل، بعد الحادي عشر من سبتمبر، اية ارادة خارج نطاق الارادة الامريكية العالمية!

بين ان تكون المطالب الامريكية فرصة او تهديدا، يكمن ما تبقى من قرار عربي او اسلامي يحترم نفسه وتاريخه وقيمه وحضارته التي ينتمي اليها، بل هويته المستقلة التي تمنحه، اصلا، حق التمييز بين الفرصة والتهديد.

ثمة من يقول في هذا السياق، ان القدرة على استثمار الفرصة اذا ما كانت فرصة حقا او مواجهة التهديد اذا ما كان تهديدا حقا، انما تكمن في الواقع والحقيقة في مدى متانة الوضع الداخلي لكل دولة من هذه الدول وشعبية قرارها وصلابة وحدتها الوطنية.

فالحرب على افغانستان ومن بعدها الحرب على العراق، اللتان ترافقتا مع انهيار تراجيدي لطالبان ونصر عسكري يسهل على حكم الطاغية المتفرعن في بغداد، ربما فتحتا شهية الادارة الامريكية على حلقات جديدة من الحروب، كما خلقتا انطباعا غير سوي عن طبيعة تشكيل المجتمعات في بلادنا.

فعلى الامريكي المحارب، ونقصد هنا تحديدا المحافظين الجدد، الذين يمسكون بدفة المعارك التي لا تزال دائرة في افغانستان والعراق، ان يدركوا جيدا، بأنه ليس بالسيف وحده تؤخذ الاوطان. اي ان القوة العسكرية واختلال ميزان القوى لصالحهم، ليس بإمكانه وحده ان يحسم قرار او نتائج الحرب ضد هذا او ذاك، ممن يعتبرونه خصما او متمردا او مارقا على شريعتهم.

من جانب آخر، آن للادارة الامريكية ان تستيقظ وتنهض من سباتها العميق، بخصوص مقولات العنف والارهاب او التطرف وما شابهها وان تضع الهرم بهيئته الصحيحة، الامر الذي يعني ان واشنطن وهي تتحدث مع الدول التي تتهمها، بأنها مرتع للعنف او الارهاب او التطرف، لا بد ان نعرف انها تطلب من هذه الدول عكس ما ترعاه هي كدولة عظمى، بل وتروج له، بل ما قد وضعته معيارا بين الحق والباطل! وربما مفتاح استقرار وأمن العالم! كما صرحت مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس. فهل نسيت او تناست واشنطن، وهي تتحدث مع هذه الدول، بانها الحامية الاكبر، بل تكاد تصبح الوحيدة للدولة الاكثر ترويجا للارهاب والعنف والتطرف، بل وللوحشية والعنصرية وكل اشكال التمييز العنصري الذي مرّ على تاريخ الانسانية. وذلك هو ما تمارسه دولة اسرائيل الخارجة على كل الاعراف الدولية دون استثناء.

وحده قرار فك الارتباط بينها وبين تل ابيب هو القادر على تخليص امريكا من امتحانها التاريخي. ووحده مثل هذا القرار هو القادر على اقناع الدولة أنها «فرصة» أو حتى انها «تهديد»، اذا ما شاءت ان تنجز شيئا ما مزعوما للامن والسلام العالميين ومكافحة الارهاب.

مخطئة امريكا اذا ما ظنت بأن ما جرى لطالبان وصدام يمكنها ان تكرره على سائر الدول المحيطة، بل ان تتخلص من ورطتها ومستنقعها في افغانستان او في العراق.

ايا تكن الاسباب التي دفعت بامريكا لاعلان الحرب على كل من افغانستان او العراق، وايا تكن التبريرات التي وضعتها واشنطن لنفسها لمهاجمة نظامين منقطعين عن شعبيهما وعن امتهما وعن محيطهما، الا انها ستخطئ كثيرا إن هي تمادت في قراءتها الاحادية تجاه اسرائيل وتجاه العرب والمسلمين وأصرت على رؤية الهرم مقلوبا، وكأننا نحن المعتدون على حليفتها وربيبتها، بل وحاملة طائراتها، فيما هي تقف في موقف الدفاع!! ومن ثم علينا ان نقدم اوراق حسن نيات او اعتذار، فالتراجيديا الافغانية والعراقية قد تصبح كوميديا امريكية هذه المرة.