العراقيون الجدد في الرياض

TT

شكل الموقف السعودي الصامت غموضا في رؤيته الحكومة العراقية المسماة بمجلس الحكم التي شكلها الاميركيون في اعقاب اسقاط نظام صدام. هكذا، على الاقل ما طرح خلال الفترة الماضية التي تميزت بحملة واسعة ضد المجلس من قبل فئات عربية. لكن فتح ابواب جدة واستقبال الامير سلطان بن عبد العزيز رئيس المجلس ابراهيم الجعفري امس الاول كسر الحاجز النفسي والسياسي كذلك، وصار يتعين على مطربي خطب الرفض ان يعيدوا قراءة الحدث من جديد. وربما كان عليهم ان يفهموا الرسالة الاولى عندما استضيف المنتخب العراقي لكرة القدم في مدينة ابها وهناك حقق العراقيون اول انتصار لهم في العهد الجديد.

ولحسن حظ العراقيين ان قيادات المجموعة العربية، رغم رفض الجامعة العربية الفردي، فتحت الباب امام فريق الحكم السياسي واعطاء المنتخب السياسي فرصة للفوز ايضا. اقول لحسن الحظ لأن التطرف العربي من عاداته تاريخيا انه يجر الاغلبية الصامتة او الخجولة باتجاهه مما لون السياسة العربية على مدى عقود بلون الرفض رغم ان اغلبية الحكومات والشعوب العربية معتدلة في تفكيرها وخطها العام.

انها شجاعة تشكر عليها الحكومات العربية التي قدمت القهوة لأعضاء مجلس الحكم العراقي، دون التورط الكامل في الاعتراف. فالاعتراف بالمجلس العراقي على انه شرعي واجازة ارسال السفراء امر يفضل ان يقر في داخل الجامعة العربية حفاظا على وحدتها وتعزيزا لدورها. والجامعة ستقبل بعد ان فتحت العواصم الرئيسية ابوابها للوفد الزائر. شجاعة لأن فيها خروجاً على المألوف العربي الذي يضيع السنوات بالممانعة ثم يتخذ نفس الخطوة، وربما يخطو اكثر، بعد ان يكون فات الزمن على المشي.

العراقيون الجدد هم العراقيون الحقيقيون ولأنهم يمثلون عشرين مليونا في بلاد الرافدين عجز الاميركيون رغم قواتهم الضخمة عن تجاهلهم فكيف يليق بنا ان نخذلهم فقط بسبب خلافات مع الاميركيين حول الاسلوب او السياسة العامة. فالاميركيون يدركون الآن جيدا انهم لن يستطيعوا حكم العراق عشر سنين كما قالوا في الشهر الأول من السقوط السريع للنظام الحديدي القديم، وعقلاء العراق يدركون بدورهم ان التعامل مع المرحلة الحالية يتطلب جعل الاحتلال مرحلة مؤقتة تنتقل فيها السلطة للعراقيين الذين يريدهم العراقيون، وما مجلس الحكم في حقيقة الامر الا استجابة اميركية للضغط الشعبي الذي تأسس فور انجاز مهمة الحرب الاساسية. مجلس الحكم، مهما بدت فيه من نواقص، فانه يمثل العراقيين الحقيقيين الذين لا نستطيع ان ننتقص منهم بعد ان كنا نعترف بنظام المقابر الجماعية ونعزف له السلام الجمهوري، وهي لطخة قبيحة في تاريخ العرب كله.