انسحابات غير مفهومة

TT

لمصلحة من هذه الانسحابات المتتالية للمنظمات الدولية من العراق؟

بعد تقليص الامم المتحدة لعديدها في بغداد في اعقاب حادث التفجير الاجرامي لمقرها، جاء دور البنك الدولي لسحب معظم جهازه الاداري من العاصمة العراقية وتبعته، بعد قليل، منظمة الصليب الاحمر الدولية في الاعلان عن خفض وجودها في العراق.

بأي منظور فإن عمليات الانسحاب هذه تعتبر نكسة لمستقبل عراق ما بعد الحرب.

وإذا كان لا جدال في ان تفجير مقر الامم المتحدة في بغداد جعل المنظمة الدولية في وضع صعب ـ علما انها كانت أصلا في وضع غير مريح بعد تجاهل الادارة الاميركية لدورها في قرار الحرب على عراق صدام حسين ـ فان تقليص الوجود الدولي في العراق لا يساعد على تفعيل دور الامم المتحدة في المنطقة.

كان يفترض بجريمة بغداد، وتحديدا مقتل ممثل المنظمة الدولية الاول في العراق، سيرجيو دو ميلو، ورفاقه في سياق تأديتهم لخدمات انسانية بالدرجة الاولى، ان تؤدي الى عكس ما يحصل الان، اي الى تعزيز الوجود الدولي في العراق لا تقليصه، ليس فقط لتقصير أمد الاحتلال الاميركي ـ البريطاني للبلاد، بل ايضا لاظهار استقلالية الوجود الدولي عن الوجود الاحتلالي، وهي استقلالية باتت مطلوبة لتعزيز شرعية مجلس الحكم الانتقالي ايضا وتسهيل مهمة انطلاق الديمقراطية الموعودة في العراق.

على هذا الصعيد، تتحمل الاسرة الدولية، ممثلة بمجلس الامن، مسؤولية اتخاذ قرار واضح يمنح الامم المتحدة صلاحيات الجهة المنتدبة على العراق، والجهة القادرة على «تدويل» الوجود الاجنبي في العراق عبر منح دول معنية بمصير العراق، في مقدمتها الدول العربية، شرعية الاشراف على اعادة بنائه سياسيا واقتصاديا، واعادة الاستقرار الى ارضه والمنطقة ايضا.

من نافلة القول ان للدول العربية، بحكم الرابطتين القومية والجغرافية، دورا رئيسيا في اعادة الاستقرار الى العراق. وقد أصبح هذا الدور الآن بحاجة الى شرعية دولية ترفده وتعطيه الصلاحيات اللازمة لاعادة العراق الى المجتمع الدولي باسرع وقت ممكن واسلم طريقة متاحة.

على ضوء احداث الاسبوعين المنصرمين، يصح القول انه بقدر ما تسرع الاسرة الدولية في «تدويل» الوضع في العراق و«تعريبه»... بقدر ما سيكون ممكنا للقوات الاميركية والبريطانية التخطيط لعودة قريبة الى اوطانها.