المستر بريمر يستعرب (2) - الفطور عند هاري

TT

عملت سنوات عدة في ما يسمى في اللغة الصحافية «قسم الشؤون الدولية». اي اخبار البلاد العربية وباقي الديار. وكانت تلك السنوات مرحلة تعدد الانقلابات العسكرية في بعض العالم العربي، وثورات البلاغ الرقم واحد الهادفة جميعاً الى امرين متساويين: تحرير الامة وتحرير فلسطين.

وعندما كثرت الانقلابات وتعددت وتنوعت، تعلمنا ان المهم ليس كيف تقع ولا متى ولا اين، بل من يعترف بها اولا، وخصوصاً اذا كان الاعتراف آتياً من بريطانيا او اميركا او موسكو. كما كان مهماً، بالدرجة الثانية، من يمتنع عن الاعتراف: اميركا ام بريطانيا ام موسكو السوفياتية. وما بين اوائل الستينات واوائل السبعينات، حدثت متغيرات كثيرة، بعضها تحول الى حالة سياسية دائمة، وبعضها عاش شهوراً او اياماً او ساعات. ولعل اقصرها عمراً واكثرها طرافة كان انقلاب الجنرال عبد العزيز الاحدب في لبنان، الذي دام فترة المؤتمر الصحافي الذي اعلن خلاله.

لدى اعلان مجلس الحكم الانتقالي في العراق جلست انتظر اعلان الاعتراف الاول به، على الاقل من «دول التحالف» التي توصلت الى صيغة تجمع بين حزب الدعوة واحمد الجلبي وعدنان الباجه جي. واصغيت بانتباه الى اخبار الاثير والفضاء، فلا ولم. ثم التقى مجلس الامن الدولي، تصوّر، مجلس الامن الدولي بدائميه ومناوبيه. وقلت في نفسي، يا رجل اين ذهبت تلك الايام التي كنت تنتظر فيها على مدخل مجلس الامن لكي تعرف ماذا سيحدث لهذا العالم، وكيف كان اصحاب السعادة يخرجون والحلول تنفرط من جيوبهم مثل البزر المملح او حبوب «الملبّس».

صدر عن مجلس الامن الدولي اغرب قرار في غرائب السياسة التي اطلّعتها، فقد رحب المجلس بالحكم الانتقالي وحيّاه وكاد «يثمن» وجوده، لكنه لم يعترف به، لا كحكم ولا كحكومة ولا كحالة انتقالية تنتظر الفرج الكبير. وقلت في نفسي انه اذا ما استعصى عليّ فهم هذه السابقة الدولية التاريخية التي ترحب بهيئة رسمية من دون ان تعترف بوجودها، فلعلني استطيع ان افهم القرار العربي. فإذا بالجامعة ترفض، بالاجماع، الاعتراف بالمجلس. قلت في نفسي، حسنا، هذا على الاقل قرار يتميز بالوضوح والحسم. وما هي ايام الا وقالت البحرين انه من الافضل محاورة السادة اعضاء المجلس بدل مقاطعتهم. وما هي الا ايام قليلة أخر حتى وصل وفد المجلس الى القاهرة حيث استقبله الامين العام للجامعة في مقرها العام واستقبله وزير خارجية مصر الدكتور محمد ماهر.

بأي صفة؟ لا ادري، كل ما ادريه حتى الآن هو ان الجامعة ترفض الاعتراف بالمجلس مجتمعة لكنها تستقبله بالمفرق. وكنت قد رويت لجنابكم هنا حكاية رحلة الى اسكوتلندا اواخر السبعينات مع الزميل الصديق محمد خالد القطمة. فلما افقنا صباح اليوم التالي قيل لنا ان الفطور الزامي في المطعم وممنوع على الشرفة. وقال لي «ابو نضال»، هل هذا معقول؟ قلت، اتركها لي. فجلسنا على الشرفة وناديت على صاحبنا البواب «هاري». وقلت يا عزيزي هاري، نريد ان نفطر هنا. فتراجع مذعوراً وقال وهو ينحني متذكراً كرم خالد وغلاله: آسف. آسف. لا فطور هنا اطلاقا.

قلت، يا عزيزي يا هاري، انس موضوع الفطور، هل يمكننا الحصول على القهوة؟ قال طبعا. قلت وشيء من الزبدة، قال طبعا، قلت وقليل من الخبز، قال «اوف كورس».

قلت، اذن، يا عزيزي يا هاري، سوف نكتفي بذلك. وانس موضوع الفطور. فنحن عرب ولا نحب مخالفة القانون، بأي ثمن، ونقدناه الثمن. والى اللقاء.