الأسلوب الصحيح للتعامل مع العراق

TT

أثار الخبر الذي نشرته الصحف عن رفض مجلس الحكم الانتقالي العراقي دعوة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، لزيارة مقر الجامعة بصفة الأعضاء الشخصية وليس بصفتهم ممثلين عن العراق، في نفس الوقت الذي وصل فيه الى دولة الامارات العربية المتحدة وفد من المجلس برئاسة الدكتور ابراهيم الجعفري رئيس المجلس في بداية جولة بدول الخليج.. أثار الخبران كثيرا من علامات التساؤل حول الأسلوب الصحيح للتعامل مع العراق في هذه الظروف المأساوية التي تشكل فيها هذا المجلس، الذي لا يؤيد فيه أحد من أعضائه وجود الاحتلال الأجنبي، وإنما تجبرهم الظروف على التعامل معه من أجل تقليص فترة الوجود الاميركي والبريطاني في العراق، باعتبار ان هذا هو الأسلوب الصحيح للتعامل مع الواقع الذي فرضته الظروف نتيجة نظام صدام حسين الذي أهدر القيم الإنسانية في ممارساته العنيفة ضد قوى المعارضة، وأجبر عدة ملايين من العراقيين على الهجرة من بلادهم مرغمين، وأتاح الفرصة للتدخل الأميركي والبريطاني الذي لم تستطع القوى الدولية منعه.

ومن هنا نشأت هذه المعادلة الصعبة التي توازن بين ما قامت به القوات الأميركية والبريطانية من اسقاط نظام صدام حسين، وبين أسلوب التعامل معها ليس من باب الترحيب المطلق وإنما من باب التعامل مع الواقع.

ولاشك أن أعضاء مجلس الحكم الانتقالي يقدرون هذه المفارقة تقديرا سليما، ويعملون من أجل توفير الظروف الملائمة والصيغة المناسبة لعودة الأمن والاستقرار، وهم في مجموعهم يمثلون معظم التيارات والاتجاهات والقوى السياسية المعارضة لنظام صدام حسين من التي كانت موجودة في الداخل، أو أجبرتها الظروف على الرحيل من الوطن، ولبعضهم في تاريخ النضال الوطني والارتباط القومي صفحات مجيدة.

ومن هنا فإن رفض التعامل مع مجلس الحكم الانتقالي لأنه صدر بأمر من سلطات الاحتلال يعتبر قفزا فوق الواقع، وتجاوزا للدور الذي يمكن أن يقوم به في خدمة شعب العراق، ولذا كان واجبا على الجامعة العربية وجميع الدول العربية أن تستقبل أعضاء هذا المجلس بصفتهم الرسمية وليست الشخصية للحوار معهم حول احتمالات المستقبل، وتوفير الديمقراطية المطلوبة، والحوار دائما مطلوب وخاصة عندما تختلف وجهات النظر.

وقد ساند كيان المجلس الانتقالي قرار مجلس الأمن رقم 1500 الذي أصدره المجلس يوم 14 اغسطس، ودعم به دور الأمم المتحدة في المرحلة الانتقالية دون أن يضفي أي نوع من الشرعية على الاحتلال الاميركي والبريطاني للعراق، مما يوفر دعما دوليا لهذا المجلس، من المفروض أن تفتح له بعدها الأبواب للتفاهم والحوار في هذه المرحلة التي بدأت تظهر فيها قرارات هذا المجلس والصادرة عنه وليس عن قوات الاحتلال.

ومن أهم القرارات التي سوف يصدرها المجلس تشكيل حكومة وطنية يكون مسؤولا وحده عن تعيين وزرائها وإقالتهم، ولاشك ان تشكيل أول حكومة عراقية بعد الغزو بهذه الطريقة لا يعتبر ديمقراطية كاملة، ولكنها ديمقراطية مقيدة بوجود سلطة انتقالية، ومع ذلك فإن تشكيل الحكومة يعتبر خطوة كبيرة الى الامام في طريق الأمن والاستقرار، ودفع الرواتب والأجور، وتصفية النظام القديم، ومحاكمة مجرمي الحرب أو الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية عن طريق محاكمات علنية عادلة.

ومن واجب الدول العربية والجامعة العربية أن تتفاهم مع هذا المجلس من أجل تقصير الفترة الانتقالية، وتحديد فترة بقاء جنود الاحتلال والتحالف حتى لا تستمر هناك بواعث المقاومة التي لا تتوقف، أو تأخير بقاء الاحتلال.

ومن المؤكد ان المجلس سوف يسعى أولا ، خلال المرحلة القادمة، لتوسيع صلاحياته على حساب دور سلطة الاحتلال، وثانيا تدعيم دوره في التعاون مع الأمم المتحدة التي ساندته، ومن هنا يصبح واجب الدول العربية والجامعة العربية عدم التقاعس في التعامل مع المجلس بصفته القانونية والانتقالية حرصا على تأكيد التضامن العربي، وتوفير العلاقات الصحيحة مع الشعب العراقي الذي وقفت الأمة العربية معه في محاولة منع العدوان عليه، وتقف معه اليوم في نضاله من أجل حقوقه المشروعة في التحرر والاستقلال والديمقراطية.

ومن العلامات المبشرة بأن طريق التعامل الصحيح مع العراق لن يضيع في ضباب الخلافات، والزيارة التي قام بها وفد المجلس الى أبو ظبي برئاسة رئيسه ابراهيم الجعفري، تعتبر بداية سوف تتبعها زيارات أخرى الى الكويت وإيران وغيرها، دون سدود تاريخية أو أيديولوجية، كما أن التصريحات التي أدلى بها الدكتور ابراهيم الجعفري أثناء زيارته الى أبو ظبي تعتبر تصريحات مبشرة لأنه أشار الى أهمية توطيد علاقة العراق مع جميع الدول العربية، وأكد ضرورة تحسين العلاقات مع الأسرة العربية لفتح صفحة جديدة تعبر فيها الديمقراطية العراقية عن إرادة الشعب الحقيقية، واثق في أن ما يثيره البعض من أن العرب لم يقفوا مع شعب العراق في مقاومته لنظامه المنهار هو أمر يحتاج الى حوار، لأن التدخل في الشؤون الداخلية هو أمر شديد الصعوبة والحساسية، وقد أشار ابراهيم الجعفري أيضا الى أنه يجب عدم النظر الى الوراء ومواجهة الأمور دون انفعال.

وأخيرا فإن واجب الجامعة العربية والدول العربية جميعا مراجعة مواقفها من مجلس الحكم الانتقالي الذي يقدم صورة واقعية تجمع في إطارها تمثيلا صحيحا للقوى الوطنية التي يمكن التعامل معها في الظروف الراهنة وذلك لاعطاء أعضاء المجلس دفعة قومية لتحقيق أهدافهم الوطنية في التخلص من الاحتلال في أسرع وقت ممكن، وتحقيق مطالب الشعب العراقي، الى جانب التأكيد على أهمية التلاحم القومي والتضامن العربي.