بريطانيا بين محاكمة الذات ومحاكمة السلطة

TT

هل كان كل ذلك ضروريا؟ هذا هو السؤال الذي ستنشغل بالتفكير فيه المؤسستان البريطانيتان السياسية والإعلامية خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وهذا السؤال يشير إلى الفضيحة التي أثارها تقرير الـ«بي بي سي» من أن مستشاري توني بلير المقربين «بالغوا» في صياغة تقرير استخباراتي صدر في السنة الماضية لإقناع الشعب البريطاني بضرورة اتخاذ إجراء عسكري ضد صدام حسين. وبلغت الفضيحة قمتها حينما انتحر عالِم يعمل مستشارا حكوميا بعد كشفه كمصدر محتمل لمزاعم الـ«بي بي سي». وعلى اثر ذلك أجبِر رئيس الوزراء البريطاني على إجراء تحقيق قضائي تحت رئاسة القاضي الكبير اللورد هاتون.

وبلغ التحقيق الطويل الذي يجري علنا ذروته الدرامية خلال هذا الصيف، لكنه فشل في إيجاد الأسباب الدقيقة التي كانت وراء انتحار العالم، ولم ينجح كذلك في الكشف عن أي تصرف خاطئ قامت به حكومة بلير. كذلك اتضح أن تقرير هيئة الإذاعة البريطانية الأولي كان مستندا إلى عبارة واحدة قد يكون أسيء فهمها وسبق للعالم المنتحر أن قالها.

خرج بلير وأقرب مستشاريه كامبل من التحقيق بتشوه قليل لسمعتيهما السياسيتين. واتضح أن الـ«بي بي سي» كانت أقل موضوعية مما يجب، على الأقل حتى هذه اللحظة.

مع ذلك، لن يكون ممكنا لأي من الطرفين أن يحصل على أي رصيد ايجابي مما سينتج عن هذا التحقيق، فبعد كل هذا الوقت والأموال التي أنفِقت عليه بدأ يتضح أن ما كان يعدّ هدفا للتحقيق هو ليس سوى سراب مخادع. فبدلا من مناقشة جوهر السياسة، انصب الاهتمام على عملية صياغة القرار، والاهتمام المبالغ بالشكل منع من مناقشة المحتوى.

بالتأكيد يُعتبر الحوار حول أسباب وكيفية مشاركة بريطانيا في الحرب ضد العراق أمرا مشروعا وضروريا، وكذلك أمر أن يكون مشروع مناقشة المعلومات الاستخباراتية التي بنى بلير قراره بالدخول في الحرب عليها منذ البدء مشوها. وبغضّ النظر عما إذا كان المرء مع أو ضد الحرب هناك الكثير من الأسئلة التي لم تقدَّم لها إجابات بعد، وهي بحاجة إلى نقاشات أخرى. لكن تحقيق هاتون كان انحرافا عن ذلك إذ أنه دفع الإعلام كي يكون أكثر اهتماما بالأسباب أكثر من الكيفية التي جرت بها الأحداث.