صقور في إيران أيضا

TT

في الوقت الذي تشير فيه الحكمة التقليدية في اوروبا الى ان المحافظين الجدد في واشنطن يتطلعون لحرب ضد ايران، لم ينتبه احد الى صقور طهران الذين يرغبون في اثارة نزاع كحجة لخنق حركة الديمقراطية في الداخل.

وبالرغم من ان بعض الملالي، بمن فيهم الرئيس محمد خاتمي، يؤكدون ضرورة تجنب صدام مع واشنطن، فإن البعض الآخر، لا سيما المرشد الأعلى على خامنئي يميل الى الاستعداد لها.

ففي شهر ابريل الماضي عقد خامئني لقاء خاصا لكبار القادة العسكريين، وهو اكبر اجتماع من نوعه في عشر سنوات، لدراسة تأثيرات الحرب في العراق. وطبقا لمصادر في طهران، فإن المرشد الأعلى أمر القادة بالإعداد «لخطة استراتيجية» لمواجهة عمليات عسكرية من قبل الولايات المتحدة.

وفي الاسبوع الماضي، تم تقديم ما يمكن وصفه بأنه اول مسودة للخطة الى خامئني. وتم الكشف عن عناصر الخطة في بيانات عامة من الجنرال رحيم صفوي، قائد الحرس الثوري الاسلامي، ونائب الادميرال علي شمخاني، وزير الدفاع.

وقال صفوي في لقاء مع المتطوعين الراغبين في الانضمام للحرس في سبالان، في شمال غربي ايران في 11 أغسطس، «نتوقع عدوانا من الولايات المتحدة. واستراتجيتنا هي الاستعداد لمعركة غير متكافئة». وادعى صفوي ان «المعركة غير المتكافئة» سلاح ذو حدين. فبالنسبة للاسلحة الحديثة والتكنولوجيا العسكرية فإن عدم التكافؤ في صالح الولايات المتحدة. ولكن عندما يتعلق الامر بالقوة البشرية و«الاستعداد لتحمل عدد ضخم من الضحايا فإن ايران تملك ميزات».

كما كشف القائد الايراني ان «الخطة الاستراتيجية» تعتمد على التصور القائل بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يمكن ان يشنوا هجمات من اربعة اتجاهات: العراق في الغرب، واذربيجان في الشمال، وافغانستان في الشرق والخليج العربي في الجنوب. وفي الوقت ذاته، فربما تحاول الولايات المتحدة انزال قوات جوا بالقرب من المدن الكبرى مثل شيراز واصفهان، على امل ثورة السكان المحليين ضد الملالي.

وقال صفوي، ان خطط الحرب الايرانية التقليدية تعتمد على التصور بهجمات «لقوات الاعداء» من المناطق الحدودية، لا سيما في الغرب والشمال. الا انه أوضح «علينا الان الاستعداد لهجمات قادمة من كل الاتجاهات. يجب التعامل مع ارضنا كلها باعتبارها مناطق حدودية».

وكشف الجنرال عما وصفه بـ«نظرية الدفاع في العمق». وهي تتكون من خلق الاف من الوحدات الصغيرة القادرة على التعامل مع «الغزاة» الاميركيين في مواقع لا تحصى، وبالتالي حرمان الولايات المتحدة من فرصة الضربة القاضية.

ومن ناحيته القى وزير الدفاع شمخاني المزيد من الضوء على التفكير الحالي في الدوائر العسكرية في ايران. ففي مقابلات وخطب اخيرة، عبر شمخاني عن ثقته بأنه اذا تعرضت ايران لهجوم من الولايات المتحدة، فستتمكن من مقاومته «بطريقة تتعدى قدرة الاميركيين على التحمل». ويعتقد ان «هذه القدرة» محدودة بعشرين اسبوعا من القتال وخمسة آلاف قتيل أميركي. ويعتقد شمخاني انه لو استمر العراقيون في قتال القوات الاميركية الى نهاية هذه القدرة لأجبر الرأي العام الاميركي ادارة بوش على السعي لوقف اطلاق النار مع صدام حسين.

وأضاف شمخاني في خطاب اخير، «ان السؤال الرئيسي هو عدم الاعتراف بالهزيمة على الاطلاق. لا يمكن الانتصار في حرب بدون اعتراف احد الجانبين بالهزيمة».

وتعتمد الاستراتيجية في جزء منها على خبرات ايران في الحرب مع العراق في الفترة من 1980 الى 1988. ففي ذلك الوقت استخدمت ايران تفوقها الجغرافي والديموغرافي لإنهاك الجيش العراقي الاكبر حجما، والذي كان يفتقد الى العمق.

وقد بلغت خسائر ايران مليوني شخص تقريبا. ولكن ايران تمكنت من وقف التقدم العراقي الاولي، ومن ثم نقل الحرب الى الاراضي العراقية.

كما تعكس الاستراتيجية الجديدة تأثير النظريات العسكرية لكوريا الشمالية على القيادة الايرانية. فقد تلقى صفوي وشمخاني وكل كبار القادة الايرانيين تقريبا، بعضا من تدريبهم في كوريا الشمالية، التي هي الحليف الاساسي العسكري لإيران منذ منتصف الثمانينات.

وذكر وزير الخارجية الاسبق علي اكبر ولايتي، وهو مستشار مقرب لخامنئي ان ايران يجب ان ترحب بصدام مباشر مع الولايات المتحدة، لأنه سيؤدي الى «زلزال» في الشرق الاوسط، ومن المحتمل في العالم الاسلامي كله.

وتجدر الاشارة الى ان ايران حاولت في الحرب التي وقعت بين عامي 1980 و1988 مد الحرب الى المنطقة بأكملها. فقد شنت غارات جوية على السعودية، وأوقفت لفترة قصير تدفق النفط الكويتي بإطلاق النار على ناقلات النفط الكويتية. وفي هذه المرة، فإن القادة الايرانيين يعتقدون بوجود فرصة افضل في تطبيق استراتيجية «الحريق»، أي توسيع رقعة الحرب لتشمل الشرق الاوسط بأكمله.

وفي دراسة جرت مؤخرا، تم تسريب بعض محتوياتها في طهران، ذكر ولايتي انه اذا تعرضت ايران لهجوم فستفتح «جبهة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة». وهناك حلفاء للجمهورية الاسلامية في افغانستان والعراق يمكنهم «اشعال بعض الحرائق» ضد الولايات المتحدة وحلفائها هناك. وتعتمد الاستراتيجية على التصور بأنه بعدما تطور ايران قوة الردع النووية الخاصة بها، تصبح محصنة ضد أي هجمات اميركية. وهذا هو السبب وراء تصعيد سعي ايران للحصول على اسلحة نووية، وقد اصبح واحدا من الموضوعات القليلة التي تلتقي حولها جميع الاجنحة.

واشار الرئيس الايراني السابق هاشمي رفسنجاني، في خطبة جمعة مؤخرا في طهران، الى «ان الـ18 شهرا القادمة وحتى العامين، ستصبح اخطر الاوقات في تاريخ ثورتنا. واذا ما عبرنا تلك الفترة الخطرة فسنصبح في موقع لا يشجع على قيام هجمات ضدنا (من الولايات المتحدة)».

ويعتبر عدد من المعلقين تلك التعليقات دليلا على ثقة ايران بقدرتها على امتلاك سلاح ردع نووي بحلول عام 2005.

لقد نجا نظام الخميني في عام 1980 بسبب غزو صدام حسين لإيران. ويأمل خلف الخميني في ان يكرر التاريخ نفسه، مع هجوم اميركي يؤدي الى رد فعل وطني يمكن ان يخنق التطلعات الديمقراطية.

غير ان اي شخص على معرفة بالواقع الايراني، ويعرف صدق ذلك في الثمانينات، يعرف ان ذلك لم يعد ضروريا اليوم.