علاوات جوية

TT

اخذت الشركات الغربية تسعى لتسويق منتجاتها بإعطاء الزبائن علاوات من نوع جديد. كانوا في السابق يعطونك تخفيضا في السعر، او هدية صغيرة او تأمينا مجانيا على البضاعة. هذه كلها اصبحت موضة قديمة. اكتشف خبراء التسويق ان الناس في هذه الايام لا يهمها شيء غير ان تطير، تطير بأي ارتفاع كان ومع اي شركة طيران كانت والى اي مكان من الارض مهما كان. المهم هو ان تطير. يمكن تفسير هذه الظاهرة بالرغبة في الهروب من الكرة الارضية التي اصبحت لا تطاق. حتما بالنسبة للعربي للهروب من وطنه.

راحوا يغرون الزبائن بإعطائهم علاوات جوية. اذا اشتريت هذا التلفزيون فلك منا مائتا ميل من السفر الجوي مجانا. واذا وقعت على هذا التأمين فلك مائة ميل مجانية. توسع الأمر. فأصبح حتى البقالون يعرضون هذه العلاوات الجوية. اشتر هذا البطيخة ولك ميل ونصف الميل مجانا. اشتر كيلو مانجو ولك ثلاثة اميال. تجمع هذه الاميال في نهاية السنة فتجد نفسك مؤهلا لتذكرة سفر مجانية الى تمباكتو. يا ما اسعدك!

يظهر ان شركة الخطوط الجوية الكويتية قد طورت هذا الاسلوب ووصلت به الى مرحلة عالية من اللوذعية التجارية. فباستعمال طائراتها من لندن للكويت كافأتني بسفرة مجانية ولكن على الارض. سيارة ليموزين تنقلني مجانا من مطار هيثرو للبيت. ولكنني لم اجد هذه السيارة لسبب ما. فكتبت رسالة شكوى للشركة. فأنا كعراقي معتاد على الشكوى وككاتب معتاد على الكتابة. وكشركة عربية لم اتوقع من الخطوط الكويتية ان تعبأ بشكواي. ولكنني كنت على خطأ كالعادة. فبعد ايام قليلة تسلمت منها تذكرة مجانية للسفر درجة اولى ذهابا وايابا لنيويورك كتعويض عن السهو الذي حصل.

اوحى لي ذلك بأن هذه المبادرة الكريمة من الممكن لها ان تصبح اسلوبا جديدا لتحسين السفر الجوي. لقد بلغ الضغط على المطارات والطائرات والشركات حدا يفضي الى الوقوع بشتى الاخطاء والمصاعب والشكاوى. موعد الاقلاع يتأخر. الامتعة تضيع. الشنطة تنكسر. الاكل فيه لحم خنزير وهلمجرا. تجد المسافرين يتذمرون ويشكون ويشتمون ويحلفون بأنهم لن يسافروا بعد اليوم. ولكن على عينك يا تاجر. تستمر رغبة الناس في ان تطير ولا هم يحزنون.

خطر لي ان على الشركات ان تقتدي بأساليب تسويق البطيخ والمانجو. عن كل دقيقة تأخير تعطيك ميلين من السفر الجوي مجانا. عن ذهاب امتعتك وعفشك الى هونولولو بدلا من القاهرة تحصل على مائة ميل علاوة مجانية. وعن كل شريحة لحم خنزير في اكلك تحصل على خمسين ميلا مجانيا، فتبدأ بالتآخي مع الخنازير وتدعو الله ان يكثر منها واذا وقعت الطائرة ومت فتعطي الشركة تذكرة مجانية مدى العمر لأرملتك لتستعملها في الحصول على زوج آخر. في نهاية السنة، واذا بقيت حيا، تجمع كل هذه الاميال في السفر الجوي المجاني التي حصلت عليها نتيجة اخطاء الشركات وتقصيرها وتحصل على تذكرة سفر بطائراتها الى المكان الذي تتوق اليه بعيدا عن اسرتك ووطنك التعبان. تذهب الى باريس او لندن او ميامي وترفع يديك الى الله وتبتهل ان يكثر من تقصير شركات الطيران، وبهذا يصبح اي خطأ تقع فيه مصدرا للامتنان والشكر بدلا من الشتم والتذمر كما هو الحال الآن.